حاشية على تفسير بيضاوی
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
اصناف
اعلم أن كلمة «لا» من حروف الزيادة ولكنها إنما تزاد بعد الواو العاطفة الكائنة بعد نفي أو نهي نحو ما جاءني زيد ولا عمرو، ولا تقربوا الزنى ولا السرقة وفائدته تأكيد النفي السابق والتصريح بأن ذلك النفي متعلق بكل واحد من المعطوف والمعطوف عليه مطلقا أي مجتمعين في وقت واحد ومتعاقبين في الأوقات، فإن الواو في مثل جاءني زيد وعمر وللجمع المطلق ومعنى المطلق أنه يحتمل أن يكون المجيء حصل من كليهما في زمان واحد وأن يكون حصل من زيد أولا وأن يكون حصل من عمرو أولا فهذه ثلاثة احتمالات عقلية لا دليل في الواو على شيء منها، فإذا قلت ما جاءني زيد وعمرو فهو في الظاهر نفي للاحتمالات الثلاثة أي لم يجيئا لا في وقت واحد ولا مع الترتيب والأكثر أنه لا يعطف على المنفي بالواو إلا بأن يذكر بعد الواو كلمة «لا» نحو ما جاءني زيد ولا عمرو، وذلك لأن الواو وإن كان في الظاهر للجمع المطلق المفيد لنفي الحكم عنهما على الاجتماع في وقت وعلى الترتيب إلا أنه لما كان الأكثر أن يستعمل للاجتماع في وقت واحد خيف أن يتوهم أن المراد ما جاءني زيد مجتمعا مع عمرو بأن يكون المنفي مجيئهما على سبيل الاجتماع في وقت مع عدم التعرض لمجيئهما متعاقبين وزيد لا بينا لكون المراد نفي الاحتمالات الثلاث، فلهذا تسمى زائدة. وإذا تقرر هذا علم أن «لا» المزيدة بعد الواو العاطفة لا تذكر إلا في سياق النفي فلا يقال زيد ولا عمرو بل يقال ما جاءني زيد ولا عمرو، فورد أن يقال فكيف صح دخول «لا» المزيدة في قوله تعالى: ولا الضالين مع أنها لا تدخل إلا على المعطوف على المنفي لينسحب النفي على كل واحد من المعطوفين؟ ويسد باب توهم رجوع النفي إلى المجموع من حيث هو ونفي احتمال ثبوت الحكم لأحدهما فانتقض بهذه الآية ما ذكر من أن «لا» المزيدة لا تدخل إلا على المعطوف على المنفي فأشار المصنف إلى جواب هذا الإيراد بقوله: «لا مزيدة لتأكيد ما في غير من معنى النفي» أي لا نسلم أن كلمة «لا» في هذه الآية واقعة في سياق الإثبات بل هي واقعة في سياق النفي على الأصل وذلك لأن أصل غيره وأن يكون بمعنى المغايرة وهي تتضمن معنى النفي ومستلزمة له، فتارة يراد بها إثبات المغايرة كما في الآية فتزاد «لا» في المعطوف تأكيدا للنفي الثابت في ضمن ذلك الإثبات، وتارة يراد بها النفي الصريح كقولك: أنا غير ضارب زيدا أي لست ضاربا له لا أنا مغاير لشخص ضارب له فإن كلمة غير فيه للنفي الصريح بمنزلة كلمة «لا» وهي حرف لا تضاف فكانت الإضافة في غير أيضا بمنزلة العدم في المعنى فيجوز تقديم معمول ضارب على كلمة غير كما يجوز تقديمه على كلمة «لا» في قولك: أنا زيدا لا ضارب.
صفحہ 105