على أنه خبر مبتدأ محذوف، وملك مضافا بالرفع والنصب. ويوم الدين يوم الجزاء، ومنه كما تدين تدان. وبيت الحماسة:
ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا
أضاف اسم الفاعل إلى الظرف إجراء له مجرى المفعول به على الاتساع، كقولهم الحال أو الاستقبال ومالكيته تعالى أزلية. قوله: (كما تدين تدان) أي كما تفعل تجازى بفعلك. سمي الفعل المبتدأ جزاء والجزاء هو الفعل الواقع بعده ثوابا كان أو عقابا للمشاكلة، كما سمي جزاء السيئة سيئة في قوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها [الشورى: 40] مع أن الجزاء المماثل مأذون فيه شرعا فيكون بحسب الأشياء. وكذا الكلام في قوله: دناهم كما دانوا أي جازيناهم كما فعلوا بدأ وقوله: دناهم جواب لما في البيت السابق وهو قوله:
فلما صرح الشر ... فأمسى وهو عريان
(ولم يبق سوى العدوا ... ن دناهم كما دانوا)
يقال: صرح الشيء أي انكشف وصرحه غيره أي كشف عنه وأظهره، وصيرورته عريانا عبارة عن كمال ظهوره بحيث لم يبق فيه خفاء أصلا. والمعنى فلما ظهر الشر كل الظهور ولم يبق بيننا وبينهم الأخذ بالإنصاف وتعين استعمال الظلم والعدوان جازيناهم بمثل ما ابتدأ ونابه.
قوله: (أضاف اسم الفاعل إلى الظرف إجراء له مجرى المفعول به على الاتساع) إشارة إلى جواب ما يقال من أن قوله: مالك يوم الدين نكرة لكون الإضافية فيه لفظية لكونها من قبيل إضافة الصفة إلى معمولها فالمضاف في مثله لا يتعرف بالإضافة بل يبقى نكرة على حاله فكيف يصح أن يقع صفة للمعرفة؟ ومحصول الجواب أن إضافة مالك ليست من معموله لأن المراد من عمل اسمي الفاعل والمفعول هو عملهما المشروط بكونهما للحال أو الاستقبال وذلك العمل هو عملهما في المفعول به ونحوه إذ لا يشترط ذلك في عملهما في المرفوع وفي الظرف وفي الجار والمجرور وفي الحال وفي المفعول المطلق، فإنه يجوز عملهما في ذلك مطلقا أي في أحد الأزمنة الثلاثة والظرف الذي أضيف إليه مالك إن أجري مجرى المفعول به كانت إضافة مالك إليه بمعنى اللام لا بمعنى في إلا أنها ليست من قبيل إضافة اسم الفاعل إلى معموله فإنها إنما تكون كذلك لو لم تكن إضافة مالك إليه مبنية على الاتساع في الظرف بأن كان الظرف متعلقا بقوله: «مالك» وكانت الإضافة بمعنى اللام حقيقة. وليس كذلك فإن كانت معلقة عن اليوم فالتقدير مالك الأمر كله يوم الدين والظرف هو المفعول فيه حقيقة وقوة الإضافة أن تكون بمعنى «في» إلا أن أرباب المعاني يعدون مثله
صفحہ 73