407

حاشية على تفسير بيضاوی

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

اصناف

بالتقريع والتهديد وتعليق الوعيد على عدم الإتيان بما يعارض أقصر سورة من سور القرآن العزيز. ثم إنهم مع كثرتهم واشتهارهم بالفصاحة وتهالكهم على المضادة لم يتصدوا للمعارضة والتجأوا إلى جلاء الوطن وبذل المهج. والثاني أنهما تتضمنان الإخبار عن الغيب على ما هو به فإنهم لو عارضوه بشيء لامتنع خفاؤه عادة سيما والطاعنون فيه أكثر من الذابين عنه في كل عصر. والثالث أنه صلى الله عليه وسلم لو شك في أمره لما دعاهم إلى المعارضة بهذه المبالغة مخافة أن يعارض فتدحض حجته وقوله تعالى:

أعدت للكافرين دل على أن النار مخلوقة معدة الآن لهم.

وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات عطف على الجملة السابقة والمقصود عطف حال من آمن بالقرآن العظيم ووصف ثوابه على حال من كفر به أن مجموع الآيتين مشتمل على التحدي بقوله: فأتوا بسورة من مثله وعلى التحريض على الجد وبذل الوسع في المعارضة بقوله تعالى: وادعوا شهداءكم من دون الله وعلى التقريع بنسبة الكذب إليهم بقوله: إن كنتم صادقين وعلى التهديد وتعلق الوعيد على عدم الإتيان بقوله. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا الآية وهذه الأمور توجب التهاب حميتهم وشدة اهتمامهم على المعارضة، ومع ذلك لم يتصدوا للمعارضة والتجأوا إلى خراب الوطن وبذل المهج، فدل ذلك على أن القرآن معجز خارج عن مقدور البشر وأن مبلغه نبي صادق مبلغ عن الله تعالى. ولما ورد على هذا الوجه أن يقال: عجز طائفة مخصوصة عن المعارضة لا يدل على إعجازه أشار إلى دفعه بقوله: «ثم إنهم مع كثرتهم واشتهارهم بالفصاحة وتهالكهم» أي حرصهم «على المضادة» ومحصوله أنهم مع اتصافهم بهذه الأوصاف علم عادة أنه معجز ومعجوز عنه أبد الدهر، إذ لا يتصور الزيادة على ما كانوا عليه من العدد وكثرة الأسباب الداعية إلى المعارضة. قوله: (والثاني أنهما تتضمنان الأخبار عن الغيب) أما تضمن الآية الثانية إياه فلاشتمالها على الإخبار بأنهم لن يفعلوه وهو غيب لم يعلمه إلا الله تعالى لأنه لا يدرك بالحس ولا تقتضيه بديهة العقل، وأما تضمن الآية الأولى إياه فلأنها وإن كانت بصريحها إنشاء التحدي والتحريض على بذل الوسع في المعارضة والتقريع بنسبة الكذب إليهم، لكن مضمونها ومحصول معناها الإخبار عن معارضتهم بكونها معجوزا عنها وهو إخبار عن الغيب على ما هو به. قوله: (فإنهم لو عارضوه بشيء) علة لكون إخباره عن الغيب على الوجه الذي هو عليه في الواقع، فكأنه قيل: لم قلت إن الإخبار عن معارضتهم لشيء من القرآن بأنها لا تقع البتة مطابق للواقع مع أنه يحتمل أنهم عارضوه بشيء لكنه لم ينقل إلينا لمانع وعدم علمنا بشيء لا يستلزم عدم وقوعه في نفس الأمر؟ فأجاب عنه بذلك.

صفحہ 413