حاشية على تفسير بيضاوی
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
اصناف
الأفعال الخاصة لقصد الإيجاز حيث أوقع الفعل وحده موقع الفعل المقيد وهو الإتيان مع ما يتعلق به. قوله: (ونزل لازم الجزاء منزلته على سبيل الكناية) الجزاء الحقيقي هو وجوب الإيمان وترك العناد، فإنه المترتب على اجتهادهم جميعا في معارضته وعجزهم عنها.
والمراد بلازمه هو اتقاء النار المعدة لتكذيب المكذب، فإنه لازم لترك العناد فأطلق هذا اللازم لينتقل منه إلى ملزومه الذي هو التحلي بحلية الإيمان. فقيل: فاتقوا النار بدل أن يقال فآمنوا، واتركوا العناد على سبيل الكناية التي هي الانتقال من اللازم إلى الملزوم، على ما ذهب إليه السكاكي، واحتيج إلى تقدير الجزاء. ولم يجعل قوله: فاتقوا النار جزاء حقيقة لأن اتقاء النار واجب مطلقا لا يتوقف وجوبه على شرط فلا وجه لتعليقه على عدم إتيانهم بسورة من مثله، ولا يجعل عدم الإتيان بها شرطا لاتقاء النار لأن حق الشرط أن يكون ملزوما للاتقاء فلم يصلح قوله: فاتقوا لأن يكون جزاء حقيقة، فلذلك قدر ما يصلح للجزائية وجعل المذكور الذي هو لازم للمقدر منزلا منزلته وقائما مقامه على سبيل الكناية.
قوله: (تقريرا للمكنى عنه) علة لتنزيل قوله: فاتقوا النار منزلة فآمنوا واتركوا العناد على سبيل الكناية عنه فإن الكناية لما كانت عبارة عن ذكر اللازم المساوي للشيء لينتقل منه إلى ذلك الشيء الملزوم له، وكان وجود اللازم دليلا على ملزومه كان سلوك الكناية بمنزلة إثبات الملزوم ببينة فكان تقريرا للمكنى عنه، فكان قوله: فاتقوا النار أبلغ من أن يقال: فآمنوا لكون إيجاب الاتقاء إيجابا للإيمان التزاما لامتناع تحقق الاتقاء بدون الإيمان. قوله:
(وتهويلا لشأن العناد) وجه ثان لاختيار سبيل الكناية. وتقريره أنه لما أمر بالإيمان بالمنزل وترك العناد في حقه في صورة اتقاء النار وعبر به عنه، فهم منه أن العناد وعدم الإيمان بمنزلة الاحتراق بالنار بحيث إذا أريد أن يعبر عنه يعبر بمقاساة عذاب النار في ذلك تهويل لشأن العناد وتخويف عظيم منه.
قوله: (وتصريحا بالوعيد) وجه ثالث له وتقريره أنه لو لم يسلك سبيل التصريح وقيل:
ظهر أنه معجز وأن التصديق به واجب لما فهم وعيد المعاندين إلا بالالتزام، بخلاف قوله:
فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة فإنه صريح في أن وعيد من لم يصدق به هو النار الموصوفة. قوله: (مع الإيجاز) متعلق بقوله: «وتصريحا» فإن الوعيد وإن أمكن مع عدم سلوك التصريح إلا أنه حينئذ يفوت الإيجاز. قوله: (وصدر الشرطية بأن التي للشك) أي لشك المتكلم وعدم قطعه بأحد طرفي النسبة. فقد مر أن كلمة «إذا» موضوعة لزمان مستقبل يكون طرفا لحدث مقطوع الوقوع في اعتقاد المتكلم، وأن كلمة «إن» أداة لشرط مشكوك الوقوع في المستقبل، والله تعالى منزه عن الشك وعالم بعجزهم عن معارضته فكان
صفحہ 406