صفات مشتقة وهي ما يدل على ذات مبهمة باعتبار معنى معين، ومن قال بكونه علما لذاته المخصوصة له أن يقول: لا يمتنع في قدرة الله تعالى أن يشرف بعض المقربين من عباده بأن يجعله عارفا بذاته المخصوصة بحيث يمكنه أن يضع الاسم بإزائه على أن ما لا يكون معقولا للبشر إنما هو كنه ذاته المخصوصة ووضع الاسم بإزائه وانتقال الذهن إليه لا يتوقف على تصوره بكنه ذاته وتمام حقيقته. والقول الثالث من الأقوال الأربعة التي ذكرها المصنف ما ذكره بقوله: «والأظهر أنه وصف في أصله لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيرها وصار كالعلم مثل الثريا والصعق أجرى مجراه في إجراء الأوصاف عليه وامتناع الوصف به وعدم تطرق احتمال الشركة إليه» واختاره المصنف لظهور كونه وصفا في الأصل وجاريا مجرى العلم في عدم صحة إطلاقه على غيره تعالى واستدل على ما اختاره بوجوه ثلاثة: الأول أن ذاته تعالى من حيث هو ذاته أي من غير اعتبار أمر آخر سواء كان صفة حقيقية كالعلم والقدرة أو غير حقيقية كالمعبودية والرازقية ونحوهما من الأمور الإضافية غير معقول للبشر فلا يمكن أن يدل عليه بأن يوضع لفظ يدل عليه بخصوصه سواء كان الواضع هو الله تعالى أو البشر، أما الأول فلأن الحكمة في تخصيص اللفظ بإزاء المعنى يفهم ذلك المعنى لنا عند إطلاقه وذلك إنما يتصور في المعاني المعقولة للبشر، وأما الثاني فظاهر لأن وضعه بإزاء المعنى فرع تعقل ذلك المعنى ويرد عليه أن البشر يمكن له أن يضع اللفظ بإزاء ما لم يتعقله بكنهه فجاز له أن يتعقل ذاته المخصوصة بوجه ما فيضع لها اسما فقوله:
«فلا يمكن أن يدل عليه بلفظ» ممنوع على تقدير أن يكون الواضع هو البشر. والوجه الثاني من الوجوه الدالة على أن الجلالة وصف في الأصل وأنها لو لم تكن وصفا في الأصل بل كان علما لذاته المخصوصة لما أفاد قوله تعالى: وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم [الأنعام: 3] معنى صحيحا عند حمله على ظاهره، فإن الظاهر أن يتعلق قوله: في السماوات بلفظ الجلالة فلو لم يكن وصفا في الأصل لما صح أن يتعلق به الظرف لعدم اشتماله على معنى الفعل حينئذ أصلا أي لا في الأصل ولا في وقت الاستعمال فلا يفيد معنى صحيحا على تقدير حمله على ظاهره.
وإن أفاد ذلك على تقدير أن يحمل على خلاف ظاهره بأن يجعل قوله: في السماوات متعلقا ب يعلم وتكون الجملة خبرا ثانيا أو يكون الخبر هو الجملة ويكون لفظ الجلالة بدلا من المبتدأ وإما إذا كان وصفا في الأصل وإن كان ذلك الأصل مهجورا عند استعماله علما فحينئذ يصح أن يتعلق به الظرف باعتبار اشتماله
صفحہ 46