361

حاشية على تفسير بيضاوی

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

اصناف

معطوف على الضمير المنصوب وفي خلقكم، والجملة أخرجت مخرج المقرر عندهم إما إلى عموم اللفظ لهم وخطاب المشافهة وإن لم يكن خطابا لمن بعدهم لامتناع خطاب المشافهة مع المعدوم، إلا أنه ثبت الحكم لمن بعدهم أيضا بدليل آخر فكأن لفظ الناس متناولا لهم أيضا بذلك الدليل. والظاهر من لفظ «الذين» أن يكون المراد بمن قبلهم الأفراد الإنسانية الذين تقدموا قبلهم زمانا لا ما يتناول جميع ما يتقدمهم من أولي العلم وغيرهم كالسموات والأرض والعناصر وما يتولد منها من الحيوان والنبات والمعدن إلا أن المصنف عممه للجميع على تغليب العقلاء على غيرهم كما في قولك: اشتر من في الدار غلاما كان أو جارية أو فرسا وقوله تعالى: ومنهم من يمشي على أربع [النور: 45] فإن ضمير «منهم» راجع إلى كل دابة فعبر عنها بضمير العقلاء تغليبا لهم على غيرهم، ثم بنى على هذا التغليب فقيل: من يمشي على أربع؟ بكلمة «من» المختصة بذوي العلم. ولعل النكتة في ذلك التعميم ملاحظة أن من جملة إجراء هذه الصفة على موصوفها الإشارة إلى ما يدل على وجود الصانع من حدوث الذات والأعراض فإن كل حادث لا بد له من محدث، وذلك المحدث لا يجوز أن يكون نفس ذات الحادث وإلا لما اتصف بالعدم أصلا، ولا شيئا من الممكنات وإلا لدار أو تسلسل فتعين الانتهاء إلى واجب الوجود لذاته، كما أشار إليه بقوله عن من قائل والله الغني وأنتم الفقراء [محمد: 38] وبقوله: ألا بذكر الله تطمئن القلوب [الرعد: 28] فلذلك لم يحمل المصنف قوله: والذين من قبلكم على الآباء والأمهات فقط بل عممه لجميع ما يتقدم الإنسان بالذات أو بالزمان من الحوادث فإن الشخص الإنساني عبارة عن مجموع البدن والروح مقدم على هذا المجموع بالذات على قول من يقول بخلقه عند استكمال البدن أطوار خلقته لا قبله وكذا المزاج، والذي يتقدمه بالزمان كثير كأصوله من الآباء والأمهات وكالسموات والأرض والعناصر وما يتولد منها. والتقدم الزماني هو الذي لا يجامع المتقدم فيه المتأخر، والتقدم الذاتي عبارة عن تقدم المحتاج إليه على المحتاج فيطلق على كل واحد من التقدم بالعلية والتقدم بالطبع. والفرق بينهما أن ارتفاع كل واحد من المتقدم والمتأخر بالعلية يستلزم ارتفاع الآخر بخلاف المتقدم والمتأخر بالطبع من غير عكس كالحياة مع العلم والواحد مع الاثنين ويشتركان في اسم التقدم بالذات، والمراد به ههنا التقدم بالطبع. وقوله تعالى: والذين من قبلكم في محل النصب بالعطف على المنصوب في «خلقكم» أي وخلق الذين من قبلكم «ومن قبلكم» صلة «الذين» فيتعلق بمحذوف والتقدير- والله أعلم- وخلق الذين خلقوا من قبل خلقكم.

قوله: (والجملة أخرجت مخرج المقرر عندهم) لما حكم بأن قوله: الذي خلقكم صفة لما قبله وقد تقرر أن الحكم الذي تتضمنه الصفة يجب أن يكون معلوم الحصول

صفحہ 367