353

حاشية على تفسير بيضاوی

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

اصناف

الله، وهو أقرب إليه من حبل الوريد أو لغفلته وسوء فهمه أو للاعتناء بالمدعو له وزيادة الحث عليه وهو مع المنادى جملة مفيدة لأنه نائب مناب فعل. وأي جعل وصلة إلى نداء المعرف باللام إن إدخال «يا» عليه متعذر لتعذر الجمع بين حرفي التعريف فإنهما كمثلين وأعطي حكم المنادى وأجري عليه المقصود بالنداء وصفا موضحا والتزم رفعه إشعارا بأنه بما هو حقه من السعي فيه وإن بذل نفسه واستفرغ وسعه وجهده في ذلك فصار المخاطب بسبب ذلك كأنه غافل عنه غير ملاحظ له. واعلم أنه تعالى منزه عن أن يقرب إلى أحد من خلقه أو يقرب أحد إليه قرب المسافة والمكان ويبعد عنه بحسبهما بل قربه تعالى إليهم عبارة عن إحاطة علمه إياهم وكونهم مسخرين في قبضة قدرته مستغرقين في كل لحظة في بحار لطفه وكرمه، فإذا استبعده الداعي بقوله: «يا الله» لا يريد بعد المسافة بل بعد ما أمله من فيضان جوده في حقه اعترافا منه بتقصيره في رعاية ما كلفه به، وإذا استبعد الله تعالى عباده نحو قوله: يا أيها الناس يكون ذلك لبعد حالهم عن استماع خطابه وفهم معناه والقيام بمقتضاه، ويطلب بسلوك هذا الأسلوب زيادة حيث المنادي على إتيان المدعو له بالجد والاجتهاد. فكلمة «يا» بالنسبة إلى القريب الغافل مجاز في الدرجة الأولى مبني على تنزيل دناءة حاله بسبب غفلته وسوء فهمه منزلة بعد المسافة، وبالنسبة إلى القريب العاقل المتفطن مجاز في الدرجة الثانية مبني على تنزيله منزلة الغافل عن المدعو له بسبب كونه أمرا مهما عظيم القدر بحيث يستبعد من المخاطب أن يعرف قدره أو يقوم بما هو حقه من السعي فيه وهو المراد بكونه منزلا منزلة بعد المسافة. فالناس في قوله تعالى: يا أيها الناس اعبدوا ربكم [البقرة: 21] وإن كانوا عقلاء متفطنين لما يرد بعد النداء من وجوب العبادة لخالقهم الذي رباهم بوجوه التربية لكنهم نودوا بما ينادي به البعيد إبرازا له في معرض الغافلين عن الحث على تركها، فحيث لم يأتوا بها جعلوا كالغافلين فنودوا بذلك تنبيها على غفلتهم المنزلة منزلة بعد المسافة بجامع الدناءة. قوله: (وهو) يعني أن لفظ «يا» مع الاسم الذي بعده وهو المنادى جملة مفيدة، وكان القياس أن لا يكون كذلك لما تقرر أن الكلام لا يتأتى من حرف واسم إلا أن حرف النداء لما ناب مناب فعل المنادى وهو «ادعو» وإن المنادى ناب مناب كاف الخطاب كان نحو: يا زيد في معنى أدعو زيدا فكان جملة مفيدة لذلك.

قوله: (فإنهما كمثلين) فلا يجوز اجتماعهما وإنما قال: «كمثلين» لأن كلمة «يا» ليست موضوعة للتعريف حقيقة ولهذا لم يتعرف المنادى في قوله الأعمى: يا رجلا خذ بيدي لأنه إنما يكون للتعريف إذا قصد به المعين، والأعمى لا يقصده. والضمير المستتر في «أعطى» راجع إلى لفظ «أي» وقوله: «حكم المنادى» منصوب على أنه مفعول ثان «لأعطى» وكذا ضمير «عليه» و «له» فإنهما أيضا راجعان إلى أي. قوله: (وصفا موضحا له) حال من

صفحہ 359