345

حاشية على تفسير بيضاوی

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

اصناف

قدرة الإنسان هيئة بها يتمكن من الفعل وقدرة الله تعالى عبارة عن نفي العجز. والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، والقدير الفعال لما يشاء على ما يشاء ولذلك قلما يوصف به غير البارىء تعالى. واشتقاق القدرة من القدر لأن القادر يوقع الفعل على الإيجاد يستلزم التمكن منهما استلزاما عقليا. وقيل: القدرة المفسرة بما ذكر هي قدرة الإنسان، وأما قدرة الله تعالى فهي عبارة عن نفي العجز عنه تعالى بالكلية. قوله: (والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل) هذا التعبير أحسن مما قيل: وإن شاء ترك لأن ظاهره يقتضي أن يكون العدم الأصلي متعلق المشيئة وليس كذلك كما تقرر في غير موضع، ثم إن كل واحد من الفعل وعدمه أعم من الإيجاد والإعدام. ومعنى العبارة إن شاء الإيجاد والإعدام فعله وإن لم يشأ شيئا منهما لم يفعله. فمعنى كونه قادرا على الموجود حال وجوده أنه إن شاء عدمه أعدمه وإن لم يشأ عدمه لم يعدمه، ومعنى كونه قادرا على المعدوم حال عدمه أنه إن شاء وجوده أوجده وإن لم يشأ وجوده لم يوجده، وكونه قادرا بهذا المعنى وهو أنه تعالى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل متفق عليه بين الفريقين، أعني بين القائلين بالإيجاب وبين من يقول إنه تعالى فاعل بالاختيار إذ ليس شيء من إيجاد العالم وتركه لازما لذاته ولا يجب عليه شيء من الآثار الصادرة عنه.

والفرق بين الفريقين أن القائلين بالإيجاب ذهبوا إلى أن مشيئة الفعل الذي هو الفيض والجود لازمة لذاته تعالى كلزوم العلم وسائر الصفات الكمالية اللازمة لذاته تعالى ويستحيل انفكاكها عنه تعالى، فقدم الشرطية الأولى وهي قولنا: إن شاء فعل واجب الصدق والتحقق بخلاف مقدم الشرطية الثانية فإنه ممتنع الصدق مع أن كل واحدة من الشرطيتين صادقة في حق الباري تعالى. وأن القائلين بالاختيار قالوا: إن كل واحد من مقدم الشرطية الأولى ومقدم الثانية ليس بواجب الصدق ولا ممتنع الصدق فإن كل واحد من المشيئة ليس لازما لذاته تعالى. قوله: (والقدير الفعال لما يشاء على ما يشاء) أي الذي يفعل ما يشاء على الوجه الذي يشاءه من الوجوه المختلفة وفرق بين القادر والقدير بناء على أن صيغة الفعيل للمبالغة كالرحيم والعليم فيكون قدير أبلغ من قادر كما نقل الزجاج، وعن الهروي أنهما بمعنى. قوله: (ولذلك) أي ولاعتبار المبالغة والعموم في مفهوم القدير حيث فسر بأنه الفعال لكل ما يشاءه موافقا للوجه الذي شاء كونه عليه قلما يوصف به غير الباري تعالى، فإنه لا أحد غير الله تعالى يوصف بالقدرة بالنسبة إلى بعض ما يشاءه إلا ويوصف بالعجز بالنسبة إلى البعض الآخر. قوله: (واشتقاق القدرة من القدر) يعني أن القدرة بمعنى التمكن من التأثير والقوة عليه مأخوذة من القدر لأن المأثر المقدور يكون على مقدار تمكن القادر وقوته أو على مقدار ما تقتضيه مشيئته وإرادته أو على مقدار ما تقتضيه الحكمة.

صفحہ 351