حاشية على تفسير بيضاوی
حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي
اصناف
الحق باستبطان الكفر وإظهاره حين خلوا إلى شياطينهم ومن آثر الضلالة على الهدى المجعول له بالفطرة أو ارتد عن دينه بعد ما آمن. ومن صح له أحوال الإرادة فادعى قوله: «والآية مثل» بمعنى النظير على تقدير مضاف أي هي إيراد نظير بمعنى أنه تمثيل غير مخصوص بالمنافقين بل يعمهم وغيرهم ممن آتاه الله ضربا من الهدى فأضاعه. فإن قيل:
ضمير «مثلهم» راجع إلى «المنافقين» قطعا فما الوجه في تعميم الممثل حتى يدخل تحت عمومه الطوائف الثلاث التي ذكرها ببيان ظلماتهم، فأما ظلمة المنافقين فهي ظلمة الكفر وظلمة النفاق وظلمة يوم القيامة، وأما ظلمة من لم يظهر الإيمان رأسا أو من آمن ثم ارتد فهي ظلمة الضلالة وظلمة سخط الله تعالى وظلمة العقاب السرمد، فإن الكافر الأصلي والمرتدين المجاهرين اشتروا الضلالة على الهدى بمعنى الاستعداد الفطري للاهتداء بالقلب والقالب فوقعهما في ظلمة الضلال وما يتفرع عليها من الظلمتين وهما ظلمة سخط الله تعالى وظلمة العقاب السرمد، وظلمة من ثبت له أحوال المريدين من المواهب الإلهية الفائضة عليه على أنها المثوبات الموعودة المقابلة للأعمال الصالحة أو على أنها فائضة منه تعالى عليه تفضلا محضا ابتدائيا تحقيقا لقوله سبحانه وتعالى: يختص برحمته من يشاء* فادعى أحوال المحبة قبل أن تحصل هي له فأذهب الله تعالى عنه ما أشرق عليه من أنوار تلك الإرادة وأحوالها بسبب كذبه وادعائه البلوغ لما لم ينله ولم يحصل له. فإن ظلمته ظلمة واحدة شديدة بحيث تكون لغاية شدتها كأنها ظلمات متراكمة فظهر من كلامه أن الممثل بالمستوقد ليس المراد به المنافقين فقط بل يدخل تحت عمومه الطوائف الثلاث، فإنه كما يتناول المنافقين يتناول أيضا من لم يظهر الإيمان أصلا أو آمن ثم ارتد- نعوذ بالله تعالى من كل زيغ وزلة- ويتناول أيضا من ثبت له أحوال المريدين ثم ادعى أحوال المحبة ادعاء كاذبا فسلب عنه ما ثبت له من أنوار الإرادة بسبب ادعائه الكاذب. فالجواب عنه أن ضمير «مثلهم» وإن كان راجعا إلى المنافقين إلا أن رجوعه إليه لا ينافي كون الممثل عاما لكل من آتاه الله سبحانه وتعالى ضربا من الهدى ولم يتوصل إلى نعيم الأبد من المنافقين وغيرهم، فإن المنافق إنما جعل ممثلا بالمستوقد المذكور من حيث إنه أظهر الإيمان الشبيه بالنار المضيئة وانتفع بضوئه زمانا يسيرا أي مدة حياته. ثم أنه سبحانه وتعالى لما أهلكه أذهب أثر إيمانه بالكلية فبقي متحيرا في أمره متحسرا على ما فات منه من الانتفاع بإيمانه بوصوله إلى نعيم الأبد بسببه، فالمنافق لما كان ممثلا بالمستوقد من هذه الحيثية أستفيد منه أن يكون الممثل كل من وجدت فيه هذه الحيثية كالكافر المجاهر، فإنه وإن لم يؤمن أصلا إلا أنه سبحانه وتعالى آتاه ضربا من الهدى وهو الاستعداد الفطري للاهتداء به قلبا وقالبا إلا أنه أضاعه ولم يتوصل به إلى نعيم الأبد، وكذا المرتد ومن صح له أحوال الإرادة على أن التمثيل من تشبيه
صفحہ 323