231

حاشية على تفسير بيضاوی

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

اصناف

غشاه إذا غطاه بنيت لما يشتمل على الشيء كالعصابة والعمامة ولا ختم ولا تغشية على الحقيقة.

حجرا. قوله: (كالعصابة) فإنها بنيت لما يحيط بالشيء كقولهم: عصب القوم بفلان أي أحاطوا به. وكذلك العمامة بنيت لما يعم الرأس، كما أن فعالة بضم الفاء بنيت لما يسقط من الشيء كالمشاطة لما يسقط من الشعر بفعل الماشطة، والبراية لما يسقط من العود والقلم عند البري بالمبراة وهي النحاتة. قوله: (ولا ختم ولا تغشية على الحقيقة) رد على من حمل الكلام على الحقيقة من أصحاب الظواهر. روي عن الحسن رحمه الله أنه قال في تفسير الختم: إن الكافر إذا بلغ في الغواية غايته وزين في قلبه الكفر وعلم الله سبحانه منه أنه لا يؤمن يختم على قلبه أنه لا يؤمن فهو ذلك الختم. فقوله تعالى: ختم الله معناه أنه تعالى علم بعلامة في قلوبهم تدل على أنهم لا يؤمنون وهذا باطل، لأنه لا يخلو إما أن يعلم هذه العلامة لإعلام نفسه أو لإعلام الخلق أو لإعلام الملائكة أنهم لا يؤمنون. والأول ظاهر البطلان لأنه سبحانه وتعالى عالم بما كان وما سيكون من غير نصب علامة ودليل، وكذا الثاني لأنه لا علم للناس بما رسم في القلوب، والثالث أيضا باطل لأن الملائكة علموا أو لم يعلموا إنما يستغفرون لجملة المؤمنين لا لأشخاص بأعيانهم فالذين علموا بعلامة في قلوبهم إن كانوا مؤمنين دخلوا في دعاء الملائكة واستغفارهم وإلا فلا. فظهر أنه لا فائدة في إعلام قلوبهم بتلك العلامة بالنسبة إلى الملائكة فلا وجه لحمل الكلام على الحقيقة مع أن القلوب وأخويها لا تقبل حقيقة الختم والتغشية فلا بد من حملهما على المجاز لكون كل واحد منهما لفظا مستعملا في غير ما وضع له مع قرينة مانعة من إرادة ما وضع له. والمجاز قسمان:

مرسل واستعارة وليس المراد ههنا المجاز المرسل حيث جعله مبنيا على التشبيه. والاستعارة قسمان: تمثيلية وهي ما يكون وجه التشبيه فيه متنزعا من عدة أمور، وغير تمثيلية وهي ما لا تكون كذلك. وجوز حمل الكلام ههنا على كل واحد منهما، وأشار إلى حمله على الاستعارة بقوله: «وإنما المراد بهما أن يحدث الله في نفوسهم» أي ذواتهم وأشخاصهم حتى يتناول القلوب والسمع والأبصار. وتوضيح ما ذكره في توجيه وجه الاستعارة أن قوله تعالى:

ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم استعارة تصريحية تبعية وقوله: وعلى أبصارهم غشاوة استعارة تصريحية أصلية شبه إحداث الهيئة أي الصفة المركوزة في القلوب، والإسماع بختم القلوب، والإسماع من حيث إن إحداث تلك الهيئة والصفة في القلوب، والإسماع يمنع من نفوذ ما هو بصدد الدخول فيهما إليهما فلا يقبل القلب ولا السمع ما يلقى إليهما من الحق كما لا يقبله الشيء المختوم فصار إحداثه فيهما بمنزلة الختم المانع من دخول الشيء في المختوم، فاستعير اسم الختم لإحداثها ثم اشتق من لفظ الختم المستعار صيغة الماضي فسرت إليها الاستعارة التي في لفظ الختم وشبهت الهيئة الحادثة في الإبصار

صفحہ 237