قراء مكة والكوفة وفقهاؤهما وابن المبارك رحمه الله تعالى والشافعي وخالفهم قراء المدينة والبصرة والشام وفقهاؤها ومالك والأوزاعي. ولم ينص أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيه بشيء فظن أنها ليست من السورة عنده. وسئل محمد بن الحسن عنها فقال: ما بين الدفتين كلام الله تعالى. ولنا أحاديث كثيرة منها: ما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهن بسم الله الرحمن الرحيم». وقول أم سلمة رضي الله عنها: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاتحة وعد بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين آية.
على خلاف ما ذكر في التيسير من أن التسمية التي في أوائل السور ما عدا سورة الفاتحة ليست بآية في شيء من تلك السور بل هي آية الفاتحة فقط. قوله: (وخالفهم قراء المدينة إلى آخره) فإنهم قالوا إن التسمية ليست من القرآن فضلا عن أن تكون من الفاتحة حتى روي عن الإمام مالك أنه قال: لا ينبغي أن تقرأ في الصلاة لا سرا ولا جهرا. فالإمام الشافعي ومن وافقه ادعوا حكمين وهي أن البسملات التي في أوائل السور من القرآن وأنها جزء من كل سورة، وقراء المدينة ومن تابعهم خالفوا الفريق الأول في قولهم إنها من القرآن وإذا لم تكن من القرآن لا تكون جزءا من شيء من السور، والمتأخرون من الحنفية وافقوا الفريق الأول في قولهم إنها من القرآن وخالفوهم في قولهم إنها جزء من أول كل سورة وقالوا: هي آية منفردة ليست جزءا من شيء من السور. قوله: (ولم ينص أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيه) أي في كونها من الفاتحة بشيء من النفي والإثبات مع كونه من أهل الكوفة القائلين بكونها من الفاتحة كما ذكر فظن من عدم تنصيصه بذلك أنها ليست من السورة عند أي من الفاتحة بناء على أن اللام في السورة للعهد ويلزمه عدم كونها من باقي السور أيضا إذ لا قائل بكونها من سائر السور دون الفاتحة والسبب في كون عدم تنصيصه بذلك منشئا للظن المذكور هو أنه لما خالف أهل بلده عند تنصيصهم أنها من الفاتحة ولم يتعرض له لا نفيا ولا إثباتا دل ذلك على أنه لا يعتقد كونها من الفاتحة وإلا لوافقهم في التنصيص عليه وقوله: «ولم ينص» لا يخلو عن الإشارة إلى أنه ذكر ما يدل على أنها ليست من السورة التزاما وذلك قوله: «إنها يسر بها في الصلاة كلها» فإنها لو كانت من الفاتحة لوجب أن يجهر بها فيما يجهر فيه بالسورة، وقول الإمام محمد رحمه الله تعالى إن ما بين الدفتين أي ما بين جنبي المصحف كلام الله تنصيص على أن التسمية من القرآن وهو لا يستلزم كونها من السورة فلما قاله محمد قيل له: فلم يسر بها في القراءة؟ قال: لكون نزولها للفصل والتبرك ولا يلزم منه أن يثبت لها سائر أحكام القرآن. قوله: (ولنا) أي لفريق الشافعية في إثبات كون التسمية من الفاتحة، وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه يدل على أنها آية تامة منها، وحديث أم سلمة رضي الله عنها
صفحہ 29