214

حاشية على تفسير بيضاوی

حاشية محيي الدين زاده على تفسير القاضي البيضاوي

اصناف

الزنار ونحوهما كفرا لأنها تدل على التكذيب فإن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجترىء عليها ظاهر إلا لأنها كفر في أنفسها. واحتجت المعتزلة بما جاء في القرآن بلفظ الماضي على حدوثه لاستدعائه سابقة المخبر عنه، وأجيب بأنه مقتضي التعلق وحدوثه لا يستلزم حدوث الكلام كما في العلم.

به، فلا جرم فرع الشرع عليه أحكام الكفر لا لأنه كفر في نفسه. فإن قيل: ما الفرق بين لبس الغيار وشد الزنار وبين ترك المأمور به وارتكاب المنهي عنه حتى جعل الأول علامة للتكذيب نازلا منزلته دون الثاني؟ قلنا: وجه الفرق بينهما أن الأول من زي الكفرة مختص بهم لا يجترىء المؤمن عليه بخلاف الثاني فإنه وإن كان من محظورات الدين شرعا إلا أنه قد يصدر عن المؤمن لكونه مجبولا على اتباع نفسه الأمارة بالسوء وكون هواه غالبا على عقله فلم يجعله الشارع أمارة للتكذيب نازلا منزلة نفس التكذيب ولم يحكم بكفر من ارتكبه. وأما الأول فإنه لا عذر له في ارتكابه ولا باعث له يحمله على ارتكابه إلا سوء اعتقاده فلذلك جعله الشارع أمارة التكذيب وحكم بكفر من ارتكبه.

قوله: (واحتجت المعتزلة بما جاء في القرآن بلفظ الماضي على حدوثه) يعني أنهم استدلوا على حدوث القرآن بما فيه من الأخبار بلفظ الماضي مثل قوله تعالى: إن الذين كفروا آيات كثيرة. إنا أرسلنا نوحا [نوح: 1] إنا أنزلناه في ليلة القدر [القدر: 1] ولفظ الماضي يستدعي سبق وقوع النسبة على وقت الإخبار وهو الأزل على تقدير كون القرآن أزليا، ووقت النزول على تقدير كونه حادثا لكن سبق شيء على الأزل غير متصور.

فلو كان القرآن أزليا لكان مثل قوله تعالى: إن الذين كفروا وإنا أرسلنا نوحا كاذبا لاستدعائه أن يكون الإرسال أو الكفر سابقا على الأزل الذي هو وقت الأخبار فوجب أن يكون وقت الإخبار وقت النزول، وكيف لا يكون حادثا والحال أن الإخبار بصيغة الماضي وقت نزول القرآن يستدعي أن يكون الإخبار المذكور مسبوقا بوقوع النسبة، ولا شك أن المسبوق بغيره مسبوق بالعدم فيكون حادثا لا محالة. فهذا تقرير احتجاجهم على حدوث القرآن بما جاء به من الإخبار بلفظ الماضي . وعبر عنه المصنف رحمه الله بقوله: «لاستدعائه سابقة المخبر عنه» أي لاستدعاء الإخبار الملتبس بلفظ الماضي سبق وقوع النسبة على وقت الإخبار، وأجيب عنه بأن ما قلنا إنه أزلي هو الكلام النفسي القائم بذاته سبحانه وتعالى وذلك لا يتصف بكونه ماضيا أو حالا أو مستقبلا في الأزل لعدم الزمان فيه، وإنما يتصف بذلك فيما لا يزال بحسب تجدد التعلقات وحدوث الأزمنة والأوقات. غاية ما في الباب أنه يلزم حدوث التعلق وحدوثه لا يقتضي حدوث الكلام المتعلق كما في العلم بعينه فإن الله تعالى كان في الأزل عالما بأن العالم سيوجد فلما أوجده انقلب علمه بأنه سيوجد للعلم بأنه قد

صفحہ 220