حاشية على سنن أبي داود
حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (ط. المكبتة السلفية)
ناشر
دار الكتب العلمية
ایڈیشن نمبر
الثانية
اشاعت کا سال
1415 - 1995
پبلشر کا مقام
بيروت
اصناف
الثالث أنه موافق لعمل أهل المدينة قديما وحديثا فإنه لا يعرف عن أحد منهم أنه حدد الماء بقلتين وعملهم بترك التحديد في المياه عمل نقلي خلفا عن سلف فجرى مجرى نقلهم الصاع والمد والأجناس وترك أخذ الزكاة من الخضروات وهذا هو الصحيح المحتج به من إجماعهم دون ما طريقه الاجتهاد والاستدلال
فإنهم وغيرهم فيه سواء وربما يرجح غيرهم عليهم ويرجحوا هم على غيرهم
فتأمل هذا الموضع
فإن قيل ما ذكرتم من الترجيح فمعنا من الترجيح ما يقابله وهو أن المفهوم هنا قد تأيد بحديث النهي عن البول في الماء الراكد والأمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب والأمر بغسل اليد من نوم الليل فإن هذه الأحاديث تدل على أن الماء يتأثر بهذه الأشياء وإن لم يتغير ولا سبيل إلى تأثر كل ماء بها بل لا بد من تقديره فتقديره بالقلتين أولى من تقديره بغيرهما لأن التقدير بالحركة والأذرع المعينة وما يمكن نزحه وما لا يمكن تقديرات باطلة لا أصل لها وهي غير منضبطة في نفسها فرب حركة تحرك غديرا عظيما من الماء وأخرى تحرك مقدارا يسيرا منه بحسب المحرك والمتحرك
وهذا التقدير بالأذرع تحكم محض لا بسنة ولا قياس وكذا التقدير بالنزح الممكن مع عدم انضباطه فإن عشرة آلاف مثلا يمكنهم نزح ما لا ينزحه غيرهم فلا ضابط له
وإذا بطلت هذه التقديرات ولا بد من تقدير فالتقدير بالقلتين أولى لثبوته إما عن النبي وإما عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم
قيل هذا السؤال مبني على مقامات
أحدها أن النهي في هذه الأحاديث مستلزم لنجاسة الماء المنهي عنه
والثاني أن هذا التنجيس لا يعم كل ماء بل يختص ببعض المياه دون بعض
والثالث أنه إذا تعين التقدير كان تقديره بالقلتين هو المتعين
فأما المقام الأول فنقول ليس في شيء من هذه الأحاديث أن الماء ينجس بمجرد ملاقاة البول والولوغ وغمس اليد فيه
أما النهي عن البول فيه فليس فيه دلالة على أن الماء كله ينجس بمجرد ملاقاة البول لبعضه بل قد يكون ذلك لأن البول سبب لتنجيسه فإن الأبوال متى كثرت في المياه الدائمة أفسدتها ولو كانت قلالا عظيمة
فلا يجوز أن يخص نهيه بما دون القلتين فيجوز للناس أن يبولوا في القلتين فصاعدا وحاشى للرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون نهيه خرج على ما دون القلتين ويكون قد جوز للناس البول في كل ماء بلغ القلتين أو زاد عليهما وهل هذا إلا إلغاز في الخطاب أن يقول لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ومراده من هذا اللفظ العام أربعمائة رطل بالعراقي أو خمسمائة مع ما يتضمنه التجويز من الفساد العام وإفساد موارد الناس ومياههم عليهم وكذلك حمله على ما لا يمكن نزحه أو ما لا يتحرك أحد طرفيه بحركة طرفه الآخر وكل هذا خلاف @ مدلول الحديث وخلاف ما عليه الناس وأهل العلم قاطبة
صفحہ 80