حصاد فلسفی
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
اصناف
12
حاول هابرماس تحليل البنية الاجتماعية للعقل، ووضع الشروط اللازمة لإقامة حياة اجتماعية على أسس عقلية؛ فإذا كان كل نشاط عقلي عند ماكس فيبر هو نشاط موجه لغاية بعينها. ومن ثم فهناك ارتباط ضروري بين العقلانية والتقدم العلمي والتقني، فإن هابرماس في سياق إعادة صياغته للعقلانية، يحلل النشاط العقلي في كل أبعاده، ليس فقط من المنظور المعرفي-الأداتي، بل أيضا بإدخال الأبعاد الأخلاقية - العملية والجمالية - التعبيرية. وبعد أن أكدت عقلانية ماكس فيبر على النشاط العملي في الفعل العقلي، جاء هابرماس ليؤكد - إلى جانب هذا المفهوم العملي للعقلانية - على النشاط التواصلي.
كانت فلسفة اللغة أيضا أحد - بل أهم - الروافد الأساسية في تكوين نظرية الفعل التواصلي؛ فقد اهتم هابرماس اهتماما خاصا بأعمال اللغويين وفلاسفة اللغة خاصة عند كل من جون أوستن
John Austin
وجون سورل
John Searle
في نظرية «أفعال الكلام»، وهي النظرية التي تنطلق مما يسمى بفلسفة اللغة الطبيعية، والتي طرحها فيتجنشتين في كتابه «بحوث فلسفية»، وفي فكرته الأساسية عن «ألعاب اللغة» واستحالة الفصل بين الدلالة والتركيب والتداول (أي الاستخدام الفعلي الحي للغة)، والتي تختلف جميعا من لعبة إلى أخرى، ولكن جون أوستن هو المؤسس لهذه النظرية التي انطلقت عنده من نقده لزعم فلسفي يدعي أن قول شيء ما هو دوما إثبات شيء ما، أي أن دور اللغة يقتصر على الإخبار عن العالم. وبالتالي فالقضايا النافعة هي التي تقبل الصدق أو الكذب، وما عداها ليس سوى أحكام خالية من المعنى. ولدحض هذا الرأي يقدم أوستن نماذج من عبارات لها صيغة الجمل الإخبارية، ولكنها لا تصف ولا تثبت حدثا أو واقعا، بل يتم بها إنجاز فعل ما (مثال ذلك جملة «بعتك سيارتي» عند التلفظ بهذه العبارة يقوم القائل بفعل البيع ولا يصف حال البيع) بهذا المعنى، فإن المتكلم يقوم بإنجاز فعل ما عند التلفظ بأي تعبير. وقد تابع الفيلسوف الأمريكي جون سورل تطور «نظرية أفعال الكلام»، واقترح معايير جديدة لتصنيف أفعال الكلام، وقد لاقت النظرية - أي نظرية أفعال الكلام - اهتماما كبيرا من جانب الفلاسفة واللغويين على السواء. (2) العقلانية التواصلية
انطلق هابرماس من مفهوم جديد للعقلانية، فإذا كانت الحداثة الأوروبية قد انتهت إلى ما يعرف بالعقل الأداتي، فقد أدانته كل التيارات الفلسفية المضادة للحداثة، وتعالت صيحات التخلي عن العقل، وعن الفلسفة التي يعتبر العقل موضوعها الأساسي. ومن هنا جاءت دعوة هابرماس لتفعيل دور الفلسفة والتأكيد على أهمية العقل باعتباره المنطلق الأساسي لأي نظرية في المجتمع. ولذلك أراد هابرماس تفجير الطاقة الإبداعية لعقل التنوير باعتبار أن الحداثة - في رأيه - مشروع لم يكتمل بعد. وإذ كان التطور الحديث - كما سبق القول - كشف عن سلبيات العقلانية الأداتية، فإن هذا ليس مبررا كافيا للتخلي عن مشروع الحداثة، بل لا بد أن تواصل المجتمعات الحديثة تطورها باستكمال هذا المفهوم الأداتي بإدخال البعد التواصلي في مفهوم العقلانية.
يحدد هابرماس مفهوم العقلانية بقوله: «إن ما نسميه «عقلانية» هو أولا الاستعداد الذي تبرهن عليه ذوات قادرة على الكلام والعمل وعلى اكتساب وتطبيق معرفة قابلة للخطأ.»
13
نامعلوم صفحہ