وتصور لنا مجالس الرشيد، وما فيها من بذخ وترف، إلى غير ذلك مما يعد دعاية واسعة للرشيد.
الرشيد وألف ليلة
وهنا نتساءل: لماذا كانت ألف ليلة وليلة داعية للرشيد من دون غيره من كبار خلفاء بني أمية كعبد الملك بن مروان، وهشام بن عبد الملك، أو من كبار بني العباس كعبد الله بن محمد، وأبي جعفر المنصور؟ وكلهم في الحقيقة أعظم من الرشيد وأفخم وأعدل ...
فكرت في ذلك طويلا ... فاهتديت إلى جواب - قد يكون صحيحا - وهو: أن ألف ليلة وليلة ترجم في عصور مختلفة، وزيد عليه في عصور مختلفة ، فكان أول ما ترجم عن الفارسية هذا القسم البغدادي في عصر الرشيد، فتملقه المؤلفون لظهور الكتاب في أيامه، واتقاء لما حدث لعبد الله بن المقفع حين ترجم كليلة ودمنة، وقد أومأ إيماءة خفيفة إلى ظلم الخلفاء والحكام، وذلك بوصفه للملك العادل، وما ينبغي أن يكون عليه، ونقمته على الملك الظالم، وكيف يكون ... مما دعا إلى قتله بتهمة الزندقة.
وكانت ترجمة ألف ليلة وليلة على كل حال مسايرة لترجمة كليلة ودمنة، ترجمة من نوع خاص؛ لا هي بالحرفية، ولا هي بالمعنى فقط، ولكن ترجموا المعاني مصبوغة بالصبغة الإسلامية؛ من اعتقاد في القضاء والقدر، ومن تقدير للحظ، ونحو ذلك.
فلما رأى القاص المترجم ما حدث لابن المقفع اتقاه، وبالغ في الحفاوة بالرشيد ... ليتقي القتل. •••
وقد يكون هناك سبب آخر؛ وهو أن الرشيد لما علم بمترجم الكتاب أفاض على المترجم من عطائه، وفهم أن هذه خير دعاية له كما تفعل بعض الهيئات السياسية من شراء بعض الجرائد بالمال، وربما يكون السببان جميعا صحيحين.
وربما ترجم جزء آخر من ألف ليلة وليلة في عهد الخليفة العباسي المعتضد فمدح أيضا، وخلعت عليه صفات عمر بن الخطاب والرشيد.
أما القسم المؤلف في مصر فقد وقف موقفا آخر، واصطبغ بصبغة أخرى ليست موضوع حديثنا هنا.
على كل حال أشادت ألف ليلة وليلة بذكر هارون الرشيد إشادة عظيمة في علمه وعدله ولهوه، وغير ذلك. •••
نامعلوم صفحہ