فقال الشيخ حسن: والله لو كنت قلت عن فخري إنه صغير وسكت لناقشتك، أما قولك عن درية إنها صغيرة، فمعنى هذا أنك ترفض يدي التي أمدها إليك يا حضرة العمدة.
فقال العمدة: اسمع يا شيخ حسن، ما مصير صداقتنا إذا أنا رفضت فخري؟ أتراك تزعل؟
فقال الشيخ حسن: أكون كاذبا لو قلت إنني لن أزعل، سبحان الله يا حضرة العمدة ... بالطبع أزعل يا أخي.
فقال العمدة: صبرك يا شيخ حسن، المسألة مستقبل بنتي، وأنت تعلم ما أصنعه لأجعل لها ثروة تغري بها ابن الحلال، أريد لها شابا من الأغنياء يسعدها في حياتها، فخري شاب عظيم، ولكنك يا شيخ حسن لا تستطيع أن تمده هو ودرية بما يهيئ لهما ما أرجوه لدرية ... إنك تفكر في ابنك أيغضبك أن أفكر في ابنتي؟
فقال الشيخ حسن: أنت حر في أن تفكر في ابنتك كما تشاء، ولكني أنا أيضا حر في أن أغضب يا شيخ زيدان، لقد علقت بالصداقة أملا لا تحتمله الصداقة، فلا بأس، ولو أنني بكلمة لا بأس هذه أقتل ثلاثين عاما من سنى حياتي، ولا بأس أيضا فإنني لا أملك غيرها كلمة. سلام عليكم يا حضرة العمدة.
وخرج الشيخ من الغرفة إلى الشرفة في خطوات سريعة غاضبة، وعبر الجالسين وهو يقول: سلام عليكم يا رجال، هلم يا فخري.
وقام فخري لا تكاد رجلاه تحملانه؛ فقد أدرك المعنى الذي تحمله خطوات أبيه السريعة وانصرافه المبكر، ولكنه لا يريد أن يصدق هذا الإدراك الذي لا يحتاج إلى كثير ذكاء.
وقال الحاج علي: الله، إلى أين يا شيخ حسن؟ ألا تشرب شربات ابنك؟
فيقول الشيخ حسن وقد ابتعد عن الدوار: لا عليك يا حاجعلي، اشربه أنت، هنيئا إن شاء الله.
ويغوص الشيخ حسن في تيه القرية، وبعد حين يخرج العمدة، ولولا غبش المغيب وقلة الضوء لتبينوا في عيني العمدة احمرارا ما عهدوه قط، ولتبينوا أيضا آثار دموع فاضت على وجه العمدة، فأضفت حيث فاضت لألاء وبريقا يتألقان على جانبي وجه الشيخ الذي علاه غبار السنين.
نامعلوم صفحہ