جنگ اور امن
الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة
اصناف
بيير وبوريس
كان تصرف بيير ونوع الحياة التي اندمج فيها في بيترسبورج قد منعاه حتما عن انتقاء السبيل الذي يرتضيه للبلوغ إلى مستقبله المنشود؛ فقد كانت القصة، التي رووها لدى آل روستوف عن تصرفه، حقيقة لا زيف فيها. كان الشاب قد عاد من بيترسبورج، بعد أن أبعد من هناك لاشتراكه في شد وثاق ضابط القسم إلى ظهر الدب، وقبع في منزل أبيه. كان واثقا من أن القصة ستثار في موسكو ، فتعطي للأوساط النسائية ، التي كان على أسوأ العلاقات معها، مادة غنية للحديث، تساعد على النيل منه وإفساد علاقته مع أبيه. مع ذلك، فإنه لم يتردد عن المثول من فوره في حضرة أبيه، فوجد الأوانس الثلاثة في البهو، وهو مركز اجتماعهن المفضل. كانت كبرى الأميرات - وهي التي شهدناها منذ حين تتقابل مع آنا ميخائيلوفنا فتعاملها تلك المعاملة المهينة - فتاة صارمة، طويلة القامة، تعنى عناية خاصة بملابسها، وكان دأبها القراءة بصوت مرتفع.
أما الأميرتان الأصغر سنا، فكانتا تشتغلان في أعمال الإبرة على مناسج صغيرة. كانتا وديعتين لطيفتين، تشبه إحداهما الأخرى، حتى إن كثيرا من الناس كانوا يخلطون بينهما، لولا «حسنة» كانت على وجنة إحداهما. حياهن بيير تحية مهذبة رقيقة، لكنهن استقبلنه وكأنه شبح أو مصاب بالطاعون. توقفت الكبرى عن القراءة، وحملقت بعينيها في وجهه بذعر دون أن تتلفظ بكلمة، واتخذت الثانية موقف أختها الكبرى، فنقلت التعابير التي كانت مرتسمة على وجهها بكل أمانة، وأبرزتها على وجهها. أما الثالثة، تلك التي كانت «الحسنة» التي على وجهها تميزها عن أختها، فقد انحنت على منسجها لتخفي ابتسامتها، وقد تأكد لها أنها ستشهد موقفا ممتعا يتفق مع مزاجها المرح. سحبت خيطها الصوفي، وراحت تتظاهر بالاهتمام بنقوشها وترتيبها، وهي تجهد في كبت القهقهة التي تكاد تفلت من حنجرتها.
قال بيير: عمي صباحا يابنة العم، ألا تعرفينني؟ - بل إنني أعرفك أكثر مما تظن، نعم أكثر ...
سأل بيير، دون أن يرتبك رغم أسلوبه الخائب الفاشل الطبيعي: كيف حال الكونت؟ هل أستطيع أن أراه؟ - إن الكونت يتألم جسديا وعقليا، وإنني أرى أنك عملت كل ما ينبغي لمضاعفة آلامه المعنوية وزيادتها خطورة.
كرر بيير سؤاله: هل أستطيع أن أرى الكونت؟ - إحم! إذا أردت أن تقتله أو أن تعجل بنهايته، فإنك - ولا شك - تستطيع أن تراه.
ثم أردفت تخاطب أختها لتنوه لبيير بأنهن كن يعملن للتخفيف من الآلام التي كان هو يثيرها، وكأنه يتلذذ بزيادة حدتها: أولجا، انظري إذا كانوا قد هيئوا شراب عمنا.
فخرجت أولجا، ولبث بيير ينتظر برهة، ثم انحنى للشقيقتين وهو ينظر إليهما، وقال: سأمكث في غرفتي، ولكما أن تبلغاني عندما يتيسر لي أن أراه.
وانسحب من البهو تشيعه ضحكة ذات «الحسنة» المجلجلة التي كانت - رغم قوتها - تعتبر مكتومة مراعاة للظرف الدقيق المحيط بصاحبتها، تلك الشيطانة التي لا تعرف غير المرح.
وفي اليوم التالي وصل الأمير بازيل، وأقام لدى الكونت، فاستقدم بيير وقال له: يا عزيزي بيير، إذا تصرفت هنا تصرفك في بيترسبورج، فإن نهايتك ستكون سيئة، هذا كل ما أقوله لك. إن الكونت مريض، بل مريض جدا، فلا تحاول أن تراه أو أن تتصل به.
نامعلوم صفحہ