جنگ اور امن
الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة
اصناف
أخطأت ماري في جوابها، فصاح الأمير العجوز وهو يلقي بالدفتر بعيدا ويستدير بغضب: هل يمكن أن تكون فتاة أشد غباء منك!
لكنه نهض بعد ذلك وراح يذرع الغرفة جيئة وذهابا، ثم اقترب من ابنته وراح يداعب شعرها ملاطفا، وأخيرا عاد إلى مقعده وباشر بشرح نظريته مجددا.
وبعد أن أخذت التلميذة ملاحظات على النظرية سجلها على الدفتر، تأهبت للخروج، فقال الأمير: ينبغي أن تكوني دءوبة يا أميرة، إن الرياضيات أهم شيء في الوجود، إنني لن أسمح لك أن تكوني سخيفة كسيداتنا النبيلات في هذا العصر، سوف تشعرين بميل إلى العلوم الرياضية بعد قليل من الصبر.
ثم أردف، وهو يربت على وجنتها: وبذلك فقط تخرج الترهات والخرافات من رأسك إلى الأبد.
همت الأميرة بالخروج، لكنه استوقفها بإشارة، ووضع على النضد المرتفع كتابا جديدا لم تقطع أوراقه بعد، وقال: وهذا أيضا واحد من «مفتاح السر» ترسله لك صديقتك هيلوئيز، إنه كتاب يؤيد العقيدة الدينية، إنني لا أتدخل في معتقدات أحد، وقد تصفحته فيمكنك أخذه، اذهبي الآن، اذهبي.
وربت على كتفها ، وأغلق بنفسه الباب وراءها.
عادت الأميرة ماري إلى غرفتها وعلى وجهها أمارات حزن وشرود ما كانت تفارقه، بل كانت تضفي على ذلك الوجه المريض محدود الجاذبية والفتنة سترا من البشاعة، جلست إلى مكتبها الذي تراكم فوقه خليط من الكتب والدفاتر والمخطوطات يشهد بأنها على نقيض أبيها؛ لا تحب النظام الذي كان مهووسا به. وألقت دفتر الهندسة جانبا، وراحت تفض الرسالة التي بعثت بها صديقة طفولتها المفضلة بصبر نافد؛ لتطلع على ما أوردت فيها؛ ولا يفوتنا هنا أن ننوه بأن صديقتها جولي، هي بعينها جولي كاراجين التي مر بنا الدور الذي لعبته في حفلة آل روستوف.
كتبت جولي ما يلي:
عزيزتي الصديقة الممتازة، إن الغياب أمر مخيف مرعب! لقد قلت دوما إن نصف وجودي وسعادتي كامن في شخصك، وإنه على الرغم من المسافة التي تفرق بيننا، فإن قلبينا متصلان برباط لا يفصم عراه، إن قلبي يتمرد على القدر فلا أستطيع - رغم المسرات التي تحيط بي والتي تساعدني على الترويح عن نفسي - أن أهزم وأبدد لونا من الحزن الدفين الذي أحس به قابعا في أعماق قلبي منذ فراقنا، لم يا ترى لم نجتمع هذه المرة كما وقع لنا ذلك الصيف في غرفتك الكبرى على الأريكة الزرقاء؛ أريكة الاعترافات؟ لم لا أستطيع منذ ثلاثة شهور أن أحصل على قوى معنوية جديدة أستمدها من نظرتك شديدة الوداعة شديدة الهدوء وشديدة التعمق، تلك النظرة التي أحببتها حبا جما، والتي يخيل إلي أنها ماثلة أمامي ساعة أكتب إليك هذه الرسالة!
لما بلغت الأميرة هذا المقطع، رفعت نظرها إلى مرآة مقامة إلى يمينها في فراغ بين نافذتين، فعكست المرآة صورة هزيلة محزنة راحت عيناها المكتئبتان تتأملانها بكثير من الأسى والحزن، قالت في سرها: «إنها تمتدحني»، وأشاحت بوجهها عن المرآة لتتابع القراءة، غير أن جولي ما كانت تغدق المديح الكاذب على أحد وخصوصا على صديقتها؛ إذ إن عيني الأميرة الكبيرتين العميقتين كانتا أحيانا تشعان بإشعاعات دافئة حامية، تسبغ على وجهها المهزول جاذبية يعجز الجمال عن مثلها، ولما كانت الأميرة ماري تعرف أن تلك النظرة الدافئة الفتانة لا تشع من عينيها إلا في أوقات تكون فيها أبعد الناس عن التفكير في نفسها؛ لذلك فقد كانت لا ترى تلك البادرة أبدا ولا تعتقد بوجودها، كانت ككل الناس تقريبا، إذا وقفت أمام المرآة، اتخذت طابع الترقب اللاإرادي الذي يرتسم عادة على كل وجه أمام المرآة، فكان ذلك الطابع يشوه حسنها. تابعت قراءة الرسالة:
نامعلوم صفحہ