حرکات اصلاحیہ
محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
اصناف
Balakot
في سنة 1246ه/1831م حيث هزم جيشه، واستشهد السيد أحمد كما استشهد معه شاه محمد إسماعيل، ورغم هذه الهزيمة فقد استمرت فلول جيشه في نضالهم في إقليم الحدود الشمالية الغربية؛ لتحقيق الأهداف التي رسمها قائدهم في حياته.
وقد تابع تلاميذه حركته الإصلاحية في الهند، وأنتجوا أدبا دينيا ضخما، اصطنعوا اللغة الأوردية؛ ليضمنوا إيصال تعاليمهم إلى الشعب، كما آثر أتباعه الاشتغال بالنشاط التجاري، بدلا من الالتحاق بالوظائف تحت حكم الإنجليز.
وقد ترك السيد أحمد بعض الرسائل القصيرة والكتيبات التي تعالج الموضوعات الدينية. كذلك ينسب إليه أنه كان الموحي للأفكار التي أثبتها تلميذاه: شاه محمد إسماعيل، ومولاي عبد الحي في كتابهما الذي ألفاه باللغة الفارسية، وعنوانه «صراط مستقيم»، ولا تزال مجموعات كثيرة من رسائل السيد أحمد المكتوبة بالفارسية مخطوطة حتى الآن. •••
كذلك تأثر السيد محمد بن علي السنوسي بالمذهب الوهابي، حين ذهب لأداء فريضة الحج، فلما عاد إلى وطنه أخذ يعمل على نشرها، ثم أخذ بعد ذلك يؤسس طريقته الخاصة في بلاد المغرب وفيها شيء كثير من الآراء الوهابية؛ من ضرورة الرجوع إلى الإسلام الأول في بساطته الأولى، وتنقيته من البدع، وإن كانت تقوم على أساس آخر من التصوف، وهو ما كان ينكره المذهب الوهابي.
فالسنوسية طريقة من طرق التصوف تقوم على الأخوة والزهد والعبادة، والتزام أصول الإسلام، ولا يطلب من المريد حين يأخذ العهد إلا أن يقرأ الفاتحة؛ للحفاظ على هذا العهد، ثم يمر المريدون بدرجات ثلاث؛ أولها درجة الخواص، وثانيتها درجة الإخوان، وثالثتها درجة المنتسبين.
والسيد محمد بن علي السنوسي مالكي المذهب، ولكنه مجتهد، وقد يخالف المذهب في بعض الموضوعات التي يصح عنده أنها أقرب إلى السنة، ولم يبدأ الشيخ اجتهاده إلا بعد أن اكتمل نضجه، ودرس الفقه والتفسير والحديث في بلده، وفي مراكش ومصر والحجاز، واتصل بعلماء هذه البلدان، وتعرف على الطرق الصوفية المنتشرة فيها، ثم بدأ الدعوة لطريقته بعد عودته لوطنه، فلم ترض الحكومة العثمانية عنه ولا عن دعوته، فقد كانت تخشى دائما مثل هذه الدعوات الإصلاحية، وما قد تؤدي إليه من حركات انفصالية، فاضطر الشيخ إلى الاعتكاف في واحة جغبوب، وبنى هناك مسجدا ومدرسة للعلوم الدينية، واتخذ لنفسه أسلوبا جديدا لنشر الدعوة، وذلك ببناء الزوايا لأتباعه في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وسرعان ما انتشرت هذه الزوايا في برقة وطرابلس والسودان ومصر وبلاد العرب، وفي كتاب
ثبت بأسماء مائة وست وأربعين مدينة وقرية بها زوايا للسنوسية، ويقوم شيخ الزاوية عادة مقام المرشد لتابعيه ومريديه في أمور دينهم ودنياهم.
ولكن الطريقة السنوسية تختلف عن غيرها من طرق التصوف في أنها تحارب الغلو في تقديس الشيوخ والأولياء من الأحياء والأموات، أو في الأخذ بالطقوس الوثنية؛ من التمسح بالقبور والأضرحة، وتقديم النذور، والإيمان بقدرة المشايخ على جلب النفع أو دفع الضرر، وغاية ما تسمح به زيارة الأضرحة والمقامات للدعاء لصاحبها والترحم عليه، والتماس العظة والبركة في رحابه، وهذا هو وجه الشبه بينها وبين الحركة الوهابية، ومدى ما قد يكون لهذه الحركة الأخيرة من أثر فيها، فالدعوتان تتفقان في المناداة بالاجتهاد ومحاربة البدع، وتختلفان في أن الحركة الوهابية تصطنع العنف في تنفيذ مبادئها، وأن الحركة السنوسية تصطنع طرق المتصوفة من إنشاء الزوايا، واتخاذها أماكن للزهد والعبادة، وتثقيف المريدين وتعليمهم أصول دينهم.
وقد عارضت السنوسية في أول الأمر السيادة العثمانية، وكان من برنامجها إعداد المريدين للجهاد، وكان هذا الاتجاه ضروريا؛ لتمكينها من القيام بواجبها في نشر الدعوة، وتنظيم البدو في الصحراء الليبية.
نامعلوم صفحہ