حرکات اصلاحیہ
محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
اصناف
وأرسل الزبيدي بعض هذه التراجم إلى صديقه المرادي، وأفاد من البعض الآخر في وضع معجمه، ثم توفي الزبيدي بعد قليل، وختم على تركته بما فيها من كتب وأوراق مدة ما، ثم بيعت بالمزاد، واشترى الجبرتي منها ما يريد، ووجد هذه التراجم وغيرها من مسودات الشيخ ورسائله وأوراقه ضمن ما اشترى، وأفاد منها كثيرا عند تأليف كتابه عجائب الآثار.
وعلم المرادي بوفاة السيد محمد مرتضى، فأرسل إلى الجبرتي يروي له القصة كلها، ويسأله أن يبحث عن بقية التراجم التي كان قد جمعها السيد له ويرسلها إليه، يقول الجبرتي: «فعند ذلك أرسل إلي (أي المرادي) كتابا، وقرنه بهدية على يد السيد محمد التاجر القباقيبي يستدعي تحصيل ما جمعه السيد من أوراقه، وضم ما جمعه الفقير (أي الجبرتي) وما تيسر ضمه أيضا وإرساله ... فلما رأيت ذلك وعلمت سببه، وتحققت رغبة الطالب لذلك جمعت ما كنت سودته وزدت فيه، وهي تراجم فقط دون الأخبار والوقائع، وفي أثناء ذلك ورد علينا نعي المترجم «المرادي»؛ ففترت الهمة، وطرحت تلك الأوراق في زوايا الإهمال مدة طويلة، حتى كادت تتناثر وتضيع، إلى أن حصل عندي باعث من نفسي على جمعها، مع ضم الوقائع والحوادث والمتجددات على هذا النسق ...»
وقد عثر الجبرتي في رسائل الزبيدي على الرسالة التي كان قد أرسلها إليه المرادي يستحثه على موافاته بالتراجم التي جمعها، وأثبت الجبرتي نص هذه الرسالة في كتابه «عجائب الآثار»، وتاريخها ربيع الثاني سنة 1200ه.
وفي سنة 1205ه انتشر الطاعون في مدينة القاهرة، وأصيب به الكثيرون ومات بالإصابة أعداد لا تحصى، «ولم يبق للناس شغل إلا الموت وأسبابه، فلا تجد إلا مريضا أو ميتا، أو عائدا أو معزيا، أو مشيعا أو راجعا من صلاة جنازة أو دفن، أو مشغولا في تجهيز ميت، أو باكيا على نفسه موهوما، ولا تبطل صلاة الجنائز من المساجد والمصليات، ولا يصلى إلا على أربعة أو خمسة أو ثلاثة، وندر جدا من يشتكي ولا يموت.»
11
ووافى يوم الجمعة من شهر شعبان من هذه السنة، وتوضأ السيد محمد مرتضى، وخرج يؤدي صلاة الجمعة في مسجد الكردي المواجه لداره بسويقة لالا، ولكنه لم يكد ينتهي من الصلاة حتى كانت العدوى قد انتقلت إليه، فعاد إلى منزله ولزم الفراش، واعتقل لسانه في تلك الليلة، ولم يطل به المرض غير يوم واحد، وأحست زوجته وأقاربها بدنو أجل الشيخ، فتركوه يعاني آلام مرضه، وشغلوا بجمع التحف والهدايا! ومات أبو الفيض محمد مرتضى يوم الأحد، ولكن الزوجة لم تعلن موته إلا يوم الإثنين بعد أن انتهت من نقل ما خف حمله وغلا ثمنه!
ولم يترك الرجل ابنا ولا ابنة، ولم يرثه أحد من الشعراء، ولم يصل عليه في الأزهر، ولم يمش وراء جنازته أحد من أصدقائه العلماء؛ فقد كان كل إنسان مشغولا بنفسه أو بغيره! وهكذا اختفى الرجل الذي كان ملء السمع والبصر في مصر وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي؛ اختفى في صمت وهدوء، لم يشعر باختفائه إنسان، ولم يحتفل بموته إنسان، ولكنه خلف وراءه ثروة علمية ضخمة، وذكرى طيبة عطرة.
وقد دفن السيد محمد مرتضى بقبر أعده لنفسه بجانب زوجته الأولى، بمشهد السيدة رقية، رحمه الله، وأثابه بقدر ما قدم للعلم وللإسلام والعربية من خدمات، وإنها لكثيرة.
الفصل الرابع
الشيخ عبد الغني النابلسي
نامعلوم صفحہ