ترامى إليه صوت فلة وهي تنادي فجرى نحوها. رمقته بذهول. تساءلت: ماذا فعلت؟
فأجاب بحياء: أمنية طارئة حققتها! - ألا تخشى أن يعلم أصحابه؟ - لا صاحب له.
وترددت تلعب بها الأهواء، ثم أشارت إلى الكارو وقالت: تأخرنا.
فقال بحياء أشد: إني أدعوك للمشاهدة يا فلة.
أمضيا النهار في التنقل من حجرة إلى حجرة، وقفا طويلا في الحمام والمطبخ، جربا الجلوس على دواوين ومقاعد وأرائك. طفر الجنون من عيني فلة الجميلتين. قالت: نبيت ليلتنا هنا.
صمت عاشور وهو يعاني ضعفا أشد، فقالت: نستحم في الحمام العجيب، نرتدي ثيابا جديدة، وننام فوق هذا الفراش. ليلة واحدة نعود بعدها إلى الكارو.
48
لكنها لم تكن ليلة واحدة.
كانا يغادران الدار فجرا ثم يتسللان إليها مع الليل. في النهار تمضي بهما الكارو من حي إلى حي. يتناولان طعامهما عدسا وفولا وطعمية، وفي الليل يرفلان في الثياب القطنية والحريرية، يستريحان في السلاملك الداخلي أو فوق الدواوين، وينامان فوق فراش وثير يصعد إليه بسلم قصير من الأبنوس. وتتحسس فلة الستائر والوسائد والطنافس براحتيها وتهتف: لم تكن حياتنا إلا كابوسا.
وتتبدى لهما الحارة، في الليل من المشربية ظلمة وهياكل أشباح غارقة في التعاسة، فيتمتم عاشور في أسى: حكمة الله تعز على العقول!
نامعلوم صفحہ