295

12

وذهب جلال إلى دار المرحوم عزيز الناجي. رأى عزيزة هانم العجوز النبيلة، كما رأى ألفت هانم. قبل يديهما، فرحبا به، ودهشا لجماله وصحته. ورأى أيضا قمر صغرى بنات المعلم عزيز. بنت جميلة خفيفة الروح تصغره بعامين.

بهره جمالها. نظر إليها طويلا في أثناء الغداء وبعده، ولما انفرد براضي قال له: ألا ترى أن قمر جميلة مثلما كانت أمنا؟

فهز راضي رأسه بلا اكتراث، فقال جلال: يا لك من سعيد بمشاركتها دارا واحدة!

فقال راضي: لا يعجبني إلا صوتها!

13

ناهز جلال المراهقة. أدرك أبعاد حياته؛ خيرها وشرها. آمن بعناد أن أمه كانت أعظم امرأة عرفتها الحارة، وبأنه سليل الناجي العظيم الذي لم يعرف سر اختفائه حتى اليوم. لم يكن فتوة مثل سمكة العلاج، ولكنه كان وليا وصديقا للخضر. وحطم جلال في الخيال رءوسا مليئة بالعناد والشر، وصادق ملائكة ذوات أجنحة ذهبية، وطرق باب التكية ففتح له على مصراعيه، وطارده قلق متلفع بظلمة الليل، وظلت قمر تومئ إليه من نافذة المشربية.

وتساءل بزهو: ما عيب أمي؟ كانت تبحث عن رجل مثلي فلم يسعدها به الحظ في حياتها التعيسة القصيرة!

14

وأشركه عبد ربه الفران في إدارة الفرن. وأثبت جدارة وذكاء وهمة عالية. وأعجب به الأب أيما إعجاب، ومضى يتخلى له عن مسئولياته، مسلما بكليته لقرعة البوظة. تدهور عبد ربه، وزاده توفر النقود بين يديه تدهورا. وبفخار وإعجاب مضى ينظر إلى ابنه جلال. يراه وهو يسيطر بقوة شخصيته على العمال، ويستحق احترام العملاء رغم سمعة أمه السيئة. ويراه وهو يصلب عوده، وتشتد أطرافه، ويتعملق هيكله، وتتدفق الحيوية في بنيانه، ويتألق بالجمال الفريد وجهه.

نامعلوم صفحہ