تقدمت فلة خطوة حتى مثلت أمامه تماما وقالت: إني بريئة!
قال لها بخشونة وهو ينتزع عينيه منها: اغربي عن وجهي.
دفع بأولاده المترنحين إلى الخارج بعنف واحدا في إثر واحد. عادت فلة تتساءل: ألا تصدق أني بريئة؟
انتزع عينيه منها مرة أخرى هاتفا: بل شيطانة صغيرة من صنع شيطان كبير!
وغادر المكان وهو يتجنب النظر إليها.
في ظلام الحارة تنفس بعمق. شعر بأن سراحه قد أطلق، وأنه تملص من قبضة شريرة. الظلام كثيف لا عين له. أحد بصره ليعثر على أشباح أولاده ولكنهم ذابوا. هتف: حسب الله!
لا شيء سوى الصمت والظلام. بصيص ضوء ينساب من القهوة هناك ولا شيء بعد ذلك. قلبه يحدثه أنهم لن يرجعوا. سيهجرون مهدهم وسلطانه، سيتراءون في المستقبل كالغرباء. لا أبناء يلتصقون بأصولهم في هذه الحارة إلا أبناء الوجهاء.
شعر وهو يشق طريقه في الظلام بأنه يودع الطمأنينة والثقة. ها هو تيار مضطرب يلفه في دوامته، وهو يساوره الخوف كما يساوره النوم. وقال لنفسه إن البنت بهرتهم بجمالها. وقال أيضا إن البنت بهرتهم بجمالها الفتان، لماذا لا يتزوج الحمقى؟ أليس الزواج دينا ووقاية؟
20
في انتظاره كانت زينب أمام الباب. اهتدى إلى مسكنه بضوء مصباحها الموضوع على عتبة المدخل، سألته بلهفة: أين الأولاد؟
نامعلوم صفحہ