فدخلا كلاهما إلى مكتب المستر هوكر وبحثا بين أوراقه كلها، فلم يجدا لذلك الورق أثرا. فقال المستر هوكر: يستحيل أن يبقى الورق هنا، بل هو مسروق عمدا، وإلا فما معنى وجود الورق الأبيض في الحقيبة. - ولكن كيف يسرق، إنه وايم الحق لأمر عجيب. - هلم بنا إلى قصر كنستون؛ فنتحرى المسألة هناك ونرى المحفظة نفسها لنعلم كيف فتحت واختلس الورق منها.
عند ذلك لم يبق ريب عند إدورد أن خاله يصدق فيما يقول فقال: ولكن اللايدي بنتن لا تستقبلنا؛ لأنها ساخطة جدا وقد قصدت في هذا الصباح إلى قصر كنستون قبل أن تصل رسائلي والتمست مقابلتها، فعادت وصيفتها تنقل إلي إرعادها وإبراقها حتى كأني شعرت برجة غضبها وأنا خارج القصر. - إذن ماذا نفعل؟ لا بد من الاجتماع باللايدي بنتن وتحقق الأمر معها، فمتى وصلنا إلى القصر نرى الوسيلة الممكنة لمقابلتها وتفهم أمر الحقيبة منها جيدا.
وفي الحال ركبا توا إلى قصر كنستون.
الفصل الثاني والعشرون
قد يسوء العمل من حيث تحسن النية
ولما وصلا إلى باب القصر أرسلا بطاقة كتبا عليها: «المستر هوكر واللورد سميث يرجوان مقابلة اللايدي بنتن الآن لأجل أمر مهم.»
فلما قرأت اللايدي بنتن البطاقة لم يبق عندها ريب بأن المستر هوكر يجد لا يهزل؛ فأذنت أن يدخلا إلى القاعة، وثم أقبلت عليها بمجدها وأبهتها وخيلائها، ففوقفا لها وتقدما فصافحتهما باشة، ثم جلست في كرسي هزاز من الحرير المخملي كالملكة في سرير الملك، فبادأهما المستر هوكر بالحديث قائلا: أظن يا حضرة اللايدي بنتن أنك وثقت برسالتي. - من أي قبيل؟ - من قبيل أني مخلص في كل ما كتبت؛ فقد اعترفت لك بمقاصدي السابقة، وأبنت لك نيتي الحاضرة وأظنك تعذرينني على القديم وتسامحينني عليه، وتقبلين مني اللورد إدورد سميث هدية ثمينة.
فابتسمت قائلة: إن تهذيبك للورد إدورد هو الشافع العظيم بك، وإني أشاركك بكل إحساساتك الجديدة، وقد نسيت الماضي ولي رجاء حسن بالمستقبل الجديد، ويسرني أن نبتدئ منذ الآن يا مستر هوكر على وفاق، ولم يبق عندي ريب الآن أنك أرسلت الحقيبة مشتملة على الورق، ولكن حيرني أمرها فلا أدري كيف اختلس منها. - هل وصلت إلى حضرتك ملفوفة بورق؟! - نعم، ومختومة بالشمع الأحمر، ولما فتحتها ذهلت إذ وجدت الورق فيها أبيض، وأقر لك أني أسأت الظن بك في أول الأمر، ولكني راجعت رسالتك ثانية وثالثة فتأكدت من لهجتها صدق كلامك. فماذا تظن بهذه الحادثة الغريبة؟ - لقد حيرني أمر هذه الحقيبة يا سيدتي، فإذا كنت قد استلمتها مختومة فلا يمكن أن تكون الأوراق قد سرقت منها في البريد . وكذلك لا يمكن أن تكون قد فقدت عندي؛ لأني قبيل لفها وختمها فتحتها وتفقدتها جيدا فلم تنقصها ورقة. - هنا العجب، تذكر جيدا يا مستر هوكر، ألا يمكن أن تكون قد غلطت فوضعت الورق الأبيض بدل الأوراق المقصودة سهوا؟ - كلا يا سيدتي، فقد فتشنا جميع أوراقي، فلم نجد أثرا للورق المقصود بينها.
عند ذاك استدعت اللايدي بنتن وصيفتها، وأمرتها أن تستحضر الحققيبة فأحضرتها ملفوفة بالورق الذي لفها به المسترالمستر هوكر، وشاهدوا جميعا الشمع الأحمر لم يزل على الخيوط والورق؛ لأن اللايدي بنتن قصت الخيوط قصا، ثم فتحوا المحفظة فرأوا ورقا أبيض من الجنس الدون الذي لا يوجد مثله في بيت المستر هوكر؛ فتأكدوا أن استبدال الورق حصل خارج بيته، فازدادوا حيرة حتى عادوا يخالج ضمير كل منهم الظن السيئ بالآخر. فالمستر هوكر كان يخطر له أن اللايدي بنتن استبدلت الورق بعد فتح المحفظة لكي تخفي نسب إدورد حتى لا يكون ابن أخت هوكر لوردا. واللايدي بنتن كانت تقول بفكرها إذ ذاك: «ألا يمكن أن يكون المستر هوكر كاذبا بدعواه لغاية لا أعلمها؟» واللورد إدورد كان يسيء الظن تارة بعمته كما يسيئه بها خاله، وتارة يسيء الظن بخاله كما تسيئه عمته. ولكن كان كل واحد منهم يغالط ظنه ويؤنب نفسه بسره؛ إذ يرى أمائر الجد والإخلاص والاهتمام بادية على جبهتي الآخرين.
ولما استغرق الثلاثة في الحيرة تنهد إدورد في خلال سكوت قصير، وقال: «أيضيع نسبي بضياع هذه الأوراق؟»
نامعلوم صفحہ