وقال الجالينوس ومن قال بقوله من أهل الدهر: الأربع الطبائع التي هي اللين، والخشونة، والحرارة، والبرودة؛ هي المدبرة بزعمهم، قالوا: والدليل على ذلك أن الإنسان لما كان لا يدرك إلا هذه الأربعة الأشياء كانت مدبرة قديمة.
وقالت الفلاسفة: الطبائع الأربع قديمة، وخامس معها هو خلافها، وأثبتوا الحركات، وزعموا أن حركة قبل حركة ...إلى ما لا نهاية له.
وقال بلعام بن باعورا: إن العالم قديم، وله مدبر بخلافه. وأثبت الحركات، إلا أنه قال: الحركة الأولى هي الحركة الأخرى معادة.
والحجة عليهم أنهم قد أقروا بحدث الحركات؛ لأن قولهم: (إن حركة قبل حركة) دليل على حدث الحركات؛ لأنه إذا كانت الحركة الآخرة قبلها حركة فهي محدثة لتقدم غيرها عليها، وكذلك سائر الحركات. وكذلك قول بلعام: الحركة الأولى هي الحركة الأخرى معادة، فهذا إقرار منه بحدث الحركات؛ لأن كل شيء له أول وآخر فهو محدث. وقوله: (معادة) إقرار بأن لها معيدا. فلما كانت الحركة والسكون حالتين حادثتين، ثبت حدوث الطبائع؛ لأنها لا تخلو من أن تكون الحركة والسكون، أو تكون المتحرك الساكن. فإن كانت أجساما متحركة وساكنة، فالحركة والسكون دليل على حدثها؛ لأنها لا تخلو من الحركة والسكون، وإن كانت الأعراض الحركة والسكون فقد بينا حدث الحركة والسكون؛ لأنا رأينا الشيء في زمان ساكنا ثم رأيناه في زمان متحركا، ثم رأيناه متحركا بعد السكون، فصح حدث الحركة والسكون، وهذا مشاهد بين لا إشكال فيه.
صفحہ 84