152

وقوة النفس عرض حال في الجسم، يتناول بها المعصية كما يتناول بها الطاعة، والعبد قادر بها على الفعل، قادر بها على تركه؛ ولأن الله قد جعلها في العبد وجعله مالكا لها ولم يجعلها مالكة له، ومكنه بها على فعل الطاعة التي خلقه لها، وجعله مستطيعا بها على فعل المعصية ليبلوه، ولولا ذلك ما استحق الحمد والثواب على فعله للطاعات ولزوم نفسه عن المنكرات، ولما استحق الذم والعقاب على فعله للمحرمات وتركه للواجبات. ولو كانت الاستطاعة مع الفعل، وكانت الاستطاعة على الشيء ولا تكون على ضده؛ كان الله قد كلف ما لا يطاق، ولو كلف العبد ما لا يطيقه لكان (ذلك) ظلما وعبثا. ألا ترى أنه لو كلف العاصي الطاعة وسلبه الاستطاعة ثم عذبه لكان ظلما؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

والدليل على أن الاستطاعة جسم وعرض أنه لولا الآلة لم يكن الإنسان مستطيعا بقوة النفس، ولولا قوة النفس لم يكن مستطيعا بالجوارح، وقد تكون الاستطاعة قوة النفس، والآلة مستطيعة.

ومما يدل على أن الاستطاعة قبل الفعل أن سلطانا لو كلف نجارا، أو صائغا، أو حدادا، على عمل من الأعمال وليس لأيهم شيء من آلات الصناعة، ولا قوة نفوس؛ أنه لا يتم لهم صنع شيء مما كلفهم عليه إلا أن تكون قد حصلت لهم الآلة والقوة. ألا ترى أنه كلفهم ما لا يطيقون، وظلمهم في تكليفه لهم المعسور. وكذلك الطفل إذا كلف عمل شيء يكون من يكلفه ما لا يطيق ظالما.

صفحہ 212