حقائق المعرفة
حقائق المعرفة
اصناف
فإن قالوا: هي في العدم، فيكون العدم باطلا، فكيف كون شيء فيه فإذا لم تكن نية ولا ضميرا، ولا كانت الخلق نفسه، ولا كانت في مكان، فهل هي إلا عدم؟ ولا يعقل شيء موجود لا يكون حالا ولا محلولا إلا الله تعالى. فبطل ما قالوا، وصح أن إرادة الله هي خلقه لا غير. وقول الله تعالى: {يريد} بمعنى: يخلق، ويحكم، ويثيب، ويعاقب. وإنما خاطب الله العرب بلغتهم وبما يعرفون؛ كما قال تعالى: {ياحسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون}[يس:30]، فخاطبهم بما يعرفون. والله تعالى لا يتحسر؛ لأنه لا يتحسر على شيء إلا من فاته وأعجزه، والله لا يفوته شيء ولا يعجزه؛ ولأنه لو كانت إرادته غير مراده لم تكن إلا نية أو همة، أو مشبهة للنية والهمة. وهم فلا يقولون هي همة ولا نية، إذا كانت شيئا غير المراد أشبهت النية المتقدمة للفعل، ولا يتقدم الفعل ويريد فعله قبل فعله إلا من يفعل بآلة، والله يتعالى عن ذلك.
وأما قول الله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون }[النحل:40]، فإنهم مجمعون معنا أنه ليس ثم قول غير إيجاد الشيء كما لم يكن ثم قول غير إيجاد القول، كذلك ليس ثم إرادة غير إيجاد الشيء.
صفحہ 184