ولا يبلغ العاقل درجة العقل إلا بنظر واستدلال. وهذا لا خلاف فيه. إلا ما روي عن داود الأصبهاني من قوله: بأن العقل ليس بدليل ومن طابقه من الحشوية أهل الظاهر بعدم دلالة العقول. فأنكر ذلك عليهم جميع العلماء. وقال في ذلك ابن دريد يهجوهم:
قال داود ذو الرقاعة والجهل
بأن العقول ليست بحجة
ولعمري لعقله ذلك العقل
فما أن به يصاب محجة
ثم أصحابه يعومون عوما
من ضلالات جهلهم وسط لجة
وقد تقدم الاحتجاج عليهم من العقل والكتاب والرسول والإجماع.
واعلم أن في الكتاب محكما ومتشابها، وناسخا ومنسوخا. ولا يعلم المحكم من المتشابه ولا الناسخ من المنسوخ إلا بنظر واستدلال عقلي؛ وكذلك السنة وأخذها من الرواة.
واعلم أن الأخبار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثلاثة وجوه:
فمنها: الخبر المشهور المستفيض الذي أجمعت عليه الأمة، وهو مثل: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا إلى الله، وأن القرآن أنزل عليه، وأنه جاهد الكفار ومن عند عن الحق. ومثل ما فعله وأمر به من الطهارة، والصلوات الخمس، والزكاة، والصوم، والحج، وأشباه ذلك؛ وهذا يعلم ضرورة؛ لأن الأمة على كثرتها واتساع مساكنها، واختلاف ألسنتها وأحوالها لا تتفق على كذب، ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة )).
صفحہ 60