حقائق الاسلام واباطيل خصومه
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
اصناف
لم تنبت الديمقراطية الإسلامية في تربة الصحراء ولا في تربة الحضارة، ولكنها كانت معجزة إلهية مثلها في الظهور بين الجاهليين كمثل الإيمان بالإله الواحد الأحد الذي لا يحابي قوما لأنهم قومه دون سائر الأقوام، ولا يلعن قوما لأنهم ورثوا اللعنة من الآباء والأجداد.
حق الإنسان والإيمان بالله رب العالمين كلاهما معجزة إلهية تجلت بها قدرة الله على غير مثال سابق متسلسل من أسبابه في بيئته، ولا فيما جاورها من البيئات؛ فإن السوابق التي سلفت قبل الدعوة الإسلامية كانت كسوابق المرض الذي يتطلب الدواء، ولم تكن كسوابق العلاج الذي ينتهي بالشفاء، وتلك هي السوابق التي تتجلى فيها قدرة الله على يد رسول من رسله ينبعث بالهداية ملهما موفقا بوحي من الله، فيصنع المعجزة التي لم تمهد لها أسبابها ودواعيها؛ لأن أسبابها الخفية ودواعيها الكامنة في السريرة الإنسانية تفوت ذرع العقول ولا تدخل في الحساب.
ولسنا نحب أن يفهم القارئ من كلامنا أن المعجزة الإلهية تقلب أوضاع الأمور وتأتي في أوانها بغير سبب مقدور، وإنما نريد أن نقول: إن الأسباب لا تنكشف كلها لعلم الإنسان، وإن علم الله هو الذي يحيط بالخوارق التي لا تدخل في الحسبان.
فالمرض الذي يؤدي إلى الموت سبب، والمرض الذي يؤدي إلى العلاج المنقذ سبب، فإذا اختلط علينا السببان وجاء الشفاء من حيث نتوقع الهلاك والفناء، فتلك معجزة من المعجزات الإلهية علمها عند الله، وأسبابها غير الأسباب التي نقدرها لها قبل وقوعها.
نشأت الدعوة الإسلامية في بيئة مريضة بأدواء العصبيات وضروب الضلال في اختلاط من العبادات والخرافات، فلو جرت الأسباب التي ندركها في مجراها المعهود، فالدعوة التي تأتي من قبل هذه البيئة لن تدعو إلى إله واحد يتساوى لديه جميع الناس، ولن تمنح الإنسان حقا واحدا يتساوى فيه جميع الناس.
ولكن هذه الدعوة جاءت بهذا وذاك؛ جاءت بالدعوة إلى رب العالمين وإلى الحق الذي يتساوى فيه أبناء آدم وحواء، وجاءت بذلك لأن إنسانا واحدا خلق الله فيه من قوة الروح ما يكافئ تلك العصبيات جميعا وتلك الضلالات جميعا، ويتغلب عليها ويجريها في غير مجراها.
ذلك هو رسول الله.
وتلك هي المعجزة الإلهية.
وأسبابها نفهمها الآن، بعد أن هدينا إليها، ولكننا لم نكن لنفهمها لو ترقبناها قبل وقوعها وانتظرناها من حيث تنتظر الأسباب العاملة في حياتنا، ولا سيما الأسباب التي نحسبها اليوم من الأسباب «الطبيعية» دون سواها. معجزة من المعجزات الإلهية أن تجيء الدعوة إلى رب العالمين من صحراء لا تعرف غير الفوارق بين العصبيات والأنساب.
ومعجزة مثلها أن يجيء من تلك الدعوة حق الإنسان الذي يرفعه عمله ولا يرفعه نسبه، أيا كان هذا النسب بين الأعراق والأقوام.
نامعلوم صفحہ