حقائق الاسلام واباطيل خصومه
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
اصناف
ومن ثم نرى أن مراحل الانتقال في تصور روح الشر - أو تصور الشيطان - قد تكون من أوضح المعالم لمتابعة الضمير الإنساني في ارتقائه وتمييزه، وإنه لمن السهل أن تعرف الإنسان بمقدار ما يشعر به نحو الشر من النفور أو الخوف، وليست بهذه السهولة معرفتنا للإنسان بمقدار ما يتمثله من المثل العليا للخير والفضيلة؛ لأن المثل العليا بطبيعتها تبتعد عن الواقع وتمتزج بالآمال والفروض، ويشبه هذا في عالم الحس أن قياس الانحطاط بالنسبة إلى الحضيض سهل محدود المسافات، ولكن قياس الصعود والارتفاع بالنسبة إلى الآفاق العليا أصعب من ذلك بكثير.
ونحن - بالمقارنة بين هذه المراحل في تصور فكرة الشيطان وسلطان الشر على النفس البشرية - نستطيع أن نبين مرحلة العقيدة الإسلامية من هذه المراحل، وأن نعرف منها مدى قوة الضمير الإنساني في مواجهة الشر كما طرأت على العقائد لأول مرة في تاريخ الأديان.
بدأ الإنسان خطواته المتعسرة في طريق الخير والشر حيوانا ضعيفا يفهم الضرر ولا يفهم الشر ولا يدريه، وإذا فهم الضرر فإنما هو الضرر في جسده أو فيما يطلبه الجسد من مطالب الطعام والشراب والأمن والراحة، وكانت الأرواح كلها ضارة تلاحقه بالأذى والإساءة ما لم يتوسل إلى مرضاتها بوسائل الشفاعة والضراعة أو بوسائل الضحايا والقرابين.
ثم انقسمت الأرواح عنده إلى ضارة وغير ضارة، وما لم يكن ضارا منها فليس امتناعه عن الضرر لأنه يحب الخير أو يكره الشر، بل هو يمتنع عن الإضرار به لأنه روح من أرواح أسلافه وذوي قرابته يصادقه كما يصادق الأب ذريته والقريب ذوي قرباه.
ثم طالت مرحلته في هذه الطريق حتى سنح له بصيص من التمييز بين الضرر الذي يجوز والضرر الذي لا يجوز، وقد سنح له هذا البصيص من عادة الارتباط بالعهود والمواثيق بينه وبين أربابه وبينه وبين عشرائه وخلفائه، فما كان مخالفا للعهود والمواثيق فهو ضرر مستغرب لا يجوز، وما كان ضررا لا يجوز فهو لون من ألوان الشر الذي كان مجهولا قبل الارتباط بعهود الصلاة والعبادة أو عهود المحالفة والولاء.
وربما عبر الإنسان في هذه المرحلة عشرات القرون حتى وصل إلى عهد الحضارات العليا، ووصل من ثم إلى الديانات التي تلائم عقله وضميره في كل حضارة منها.
هنالك عرف الشر والخير وعرف التمييز بين ما يجوز وما لا يجوز، وهنالك ظهرت بين أممه المتقدمة قوى الشر الكونية التي تتصرف في الوجود كله، وتقضي فيه قضاء يمتد أثره وراء عمر الإنسان الواحد، ووراء أعمال الأجيال والأقوام.
وأرفع ما ارتفع إليه الإنسان في هذه المرحلة عقيدة الهند، فعقيدة الثنوية، فعقيدة مصر الفرعونية.
فكانت عقيدة الهند أن المادة كلها شر أصيل فيها فلا خلاص منه إلا بالخلاص من الجسد، وكان الشر عندهم مرادفا للهدم والفساد، يتولاه الإله الواحد في صورة من صوره الثلاث: صورة الخالق وصورة الحافظ وصورة الهادم الذي يهدم بيديه ما بناه وما حفظه في صورتيه الأخريين.
وكانت عقيدة الثنوية من مجوس فارس أن الشر من عند إله الظلام، وأن الخير من عند إله النور، وأن الغلبة أخيرا لإله النور بعد صراع طويل.
نامعلوم صفحہ