حقائق الاسلام واباطيل خصومه
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
اصناف
نمت في الإسلام فكرة النبوة كما نمت فيه الفكرة الإلهية؛ فبرئت هذه الرسالة السماوية من شوائبها الغليظة التي لصقت بها في عقائد الأقدمين من أتباع الديانات الوثنية والديانات الكتابية، وخلصت من بقايا السحر والكهانة كما خلصت من شعوذة الإيهام الخيالي وبدوات الجنون، الذي كانوا يسمونه قديما بالجنون المقدس لاعتقادهم أن المصابين به يخلطون هذيانهم بوحي الأرواح العلوية التي تستولي عليهم، ونمت نبوة الإسلام نماءها الأوفى حين خلصت من دعوى الخوارق والمغيبات، وهي آية النبوة الكبرى في عرف الأقدمين.
ولم تكن براءة النبوة من هذه الشوائب عرضا مسوقا في أطواء العقيدة بغير قصد ولا بينة، بل كان وصف النبوة على هذه الصفة المطهرة فريضة مكتوبة على المسلم يعلمها من نصوص كتابه، ويؤمن بها إيمانه برسالة نبيه.
فما النبوة بقول ساحر - ولا يفلح الساحرون - وما النبي بكاهن ولا مجنون،
وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون * كذلك نسلكه في قلوب المجرمين * لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين * ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون (الحجر: 11-15).
فليست الخوارق مما يغني النبي في دعوة المكابر المفتون؛ إنه ليزعمها إذن ضربا من السحر أو السكر، ولو فتح له الأنبياء بابا من السماء!
ولقد جاءت الخوارق طائعة لنبي الإسلام فصدقها الناس وأبى لهم أن يصدقوها أو يفهموها على غير حقيقتها، ولو أنه سكت عنها لحسبوها له معجزة من المعجزات لم يتحقق مثلها من قبل لأحد من المرسلين.
مات ابنه إبراهيم، وانكسفت الشمس ساعة دفنه، وتصايح المسلمون حول القبر: إنها لآية من آيات الله أن تنكسف الشمس لموت ابن محمد - عليه السلام. وكسوف الشمس يومئذ خبر من أخبار الفلك الثوابت، أيده حساب الفلكيين في العهد الأخير، فلو كان - صلوات الله عليه - رسولا من الرسل الذين يتصيدون الخوارق أو ينكرونها لأنهم لا يستطيعون أن يدعوها لما كلفته هذه الخارقة إلا أن يسكت عنها فلا يدعيها ولا ينكرها، ولكنه لم ينس في ساعة حزنه أمانة الهداية للمؤمنين بدينه، وبادرهم لساعتها مذكرا لهم بآيات الله و«أن الشمس والقمر آيتان له لا تخسفان لموت أحد ولا لحياته ...»
وما نحسب أن النبوة تعظم بكرامة قط أكرم لها من التوكيد بعد التوكيد في القرآن الكريم بتمحيص هذه الرسالة السماوية لهداية الضمائر والعقول، غير مشروطة بما غبر في الأوهام من قيام النبوة كلها على دعوى الخوارق والإنباء بالمغيبات:
ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين (يونس: 20)،
قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون (الأعراف: 188)،
نامعلوم صفحہ