حقائق الاسلام واباطيل خصومه
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
اصناف
أو كمال مطلق يوشك أن يكون هو والعدم المطلق على حد السواء.
ولنذكر أنه أرسطو صاحب هذا المذهب قبل كل شيء.
ولنذكر أنه ذلك العقل الهائل الذي يهابه من يحس قدرته؛ فلا يجترئ عليه بالنقد والتسفيه قبل أن يفرغ جهده في التماس المعذرة له من جهل عصره، وقصور الأفكار حوله لا من جهله هو أو قصور تفكيره؛ فإنه لم يعودنا في تفكيره احتمالا قط لا ينقصه قصارى مداه، ولا يستوفي مقتضياته وموانعه جهد ما في الطاقة الإنسانية من استيفاء.
لنذكر أنه أرسطو، لكي نذكر أن هذا العقل النادر لم يؤت من نقص في تصور الصفات العلوية إلا لأنه عاش في زمان لم تتكشف فيه المعرفة من خصائص هذه الكائنات الأرضية «السفلى» التي نحسها ونعيش بينها ، ولو أنه عرف ما هو لاصق بها من خصائصها وأعراضها لكان له رأي في الكمال العلوي غير ذلك الذي ارتآه بمحض الظن والقياس على غير مقيس.
لقد كان يفهم من كمال الكائنات العلوية - السماوية - أنها خالدة باقية لا تفنى؛ لأنها من نور، والنور بسيط لا يعرض له الفناء كما يعرض على التركيب.
ولو أن أرسطو عاش حتى علم أن المادة الأرضية - السفلى - كلها من نور، وأن عناصر المادة كلها تئول إلى الذرات والكهارب، وأن هذه الذرات والكهارب تنشق فتئول إلى شعاع؛ لما ساقه الظن والقياس إلى ذلك الخطأ في التفرقة بين لوازم البقاء ولوازم الفناء، أو بين خصائص البساطة وخصائص التركيب.
ولعل إدراكه لذاك الخطأ في فهم لوازم البساطة والكمال، ولوازم البقاء والفناء؛ كان خليقا أن يهديه إلى فهم خطئه في تصور لوازم الكمال الإلهي؛ فلا يمتنع في عقله أن يجتمع الكمال الواحد من صفات عدة كالصفات الحسنى التي وصف بها الإله في الإسلام، ومنها الرحمة والكرم والقدرة والفعل والإرادة، ولا يمتنع في عقله أن يكون لهذه الصفات لوازمها ومقتضياتها؛ إذ لا تكون قدرة بغير مقدور عليه، ولا يكون كرم بغير إعطاء، ولا تكون مشيئة بغير اختيار بين أمرين، وإذا اختار الله أمرا فهو لا يختاره لذاته - سبحانه وتعالى - بل يختاره لمخلوقاته التي تجوز عليها حالات شتى لا تجوز في حق الإله، وإذا خلق الله شيئا في الزمان فلا ننظر إلى الأبدية الإلهية، بل ينبغي أن ننظر إلى الشيء الموجود على المخلوق في زمانه، ثم لا مانع عقلا من أن تتعلق به إرادة الله الأبدية على أن يكون حيث كان في زمن من الأزمان.
لقد كان مفهوم البساطة في الأبدية الباقية عند أرسطو غير مفهومها الذي لمسناه اليوم لمسا في هذه الكائنات الأرضية السفلية؛ فلا جرم يكون مفهوم الكمال المطلق عندنا غير مفهومه الذي جعله أرسطو أشبه شيء بالعدم المطلق، غير عامل ولا مريد ولا عالم بسوى النعمة والسعادة، قانع بأنه منعم سعيد. •••
وعلى هذا يبقى لنا أن نسأل: هل استطاع أرسطو بتجريده الفلسفي أن يسمو بالكمال الأعلى فوق مرتبته التي يستلهمها المسلم من عقيدة دينه؟
نقول عن يقين: كلا؛ فإن الله في الإسلام إله صمد لا أول له ولا آخر، وله المثل الأعلى؛ فليس كمثله شيء، وهو محيط بكل شيء.
نامعلوم صفحہ