حقائق الاسلام واباطيل خصومه
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
اصناف
وأسقط عمر سهم المؤلفة قلوبهم، وكان النبي - عليه السلام - قد أعطى أبا سفيان والأقرع بن حابس وعباس بن مرداس وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن كل واحد منهم مائة من الإبل. وطلب عيينة بن حصن والأقرع بن حابس أرضا من أبي بكر الصديق فكتب لهما بها، فلما رأى عمر الكتاب مزقه وقال: إن الله أعز الإسلام وأغنى عنكم، فإن ثبتم عليه وإلا فبيننا وبينكم السيف.
ومن سوء الفهم أن يقال إن الفارق خالف النص في هذه القضية، وإنما يقال إنه اجتهد في فهم النص كما ينبغي، وإنه بحث عن المؤلفة قلوبهم فلم يجدهم؛ لأن تأليف القلوب إنما يكون مع مصلحة للإسلام والمسلمين، فإن لم يكن تأليف لم يكن هناك مؤلفة يستحقون العطاء. ولو أن عيينة والأقرع وأصحابهما سئلوا يومئذ: أهم من المؤلفة قلوبهم يستحقون العطاء لأنهم ضعاف الإيمان لما قبلوا أن يثبتوا في ديوان العطاء.
ولما فتحت أرض الجزيرة وما وراءها لم يشأ أن يقسمها وقال: كيف بمن يأتي من المسلمين؟ يجد الأرض قد قسمت وورثت عن الآباء! ما هذا برأي! ثم أرسل إلى عشرة من الأنصار وقال لهم: إني لم أزعجكم إلا لأن تشتركوا في أمانتي فيما حملت من أمركم ... قد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها وأضع عليهم الخراج وفي رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئا للمسلمين المقاتلة والذرية، ولمن يأتي من بعدهم. أرأيتم هذه الثغور؟ لا بد لها من رجال يلزمونها. أرأيتم هذه المدن العظام كالشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر؟ لا بد لها أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم. فمن أين أعطي هؤلاء إذا قسمت الأرضين والعلوج؟! فقالوا جميعا: الرأي رأيك، نعم ما قلت وما رأيت، إن لم تشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال، وتجري عليهم ما يتقوون به، رجع أهل الكفر إلى مدنهم.
وقد أخذ عمر بتمييز السابقين إلى الإسلام بالمكافأة على الذين تبعوهم كرها ولم يشهدوا من الغزوات ما شهدوه، وأنفذ فتوى علي - رضي الله عنه - حين أفتى بمعاقبة شارب الخمر بعقوبة القاذف؛ لأن المخمور لا يملك لسانه إذا سكر وهذى، وأمضى كثيرا من المكافآت والعقوبات على هذا القياس.
ولم يتحرج الخليفة الأول من الاجتهاد بالرأي عند وجوبه، وإنما كثر الاجتهاد في عهد الخليفة الثاني لكثرة دواعيه، وكان الصديق يقدم على الاجتهاد أحيانا حين يحجم عنه صاحبه كما حدث في حروب الردة؛ حيث أمر الصديق بحرب مانعي الزكاة، وتردد عمر في جواز حرب الناطق بالشهادتين.
وسئل الصديق عن الكلالة فقال: إني سأقول فيها برأي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، أراه ما خلا الوالد والولد.
واجتهد عثمان وعلي كما اجتهد أبو بكر وعمر - رضوان الله عليهم - فمن اجتهاد عثمان أن يأمر بكتابة المصحف على حرف واحد منعا لاختلاف الألسنة في القراءة، ويوشك أن يكون لعلي - رضي الله عنه - رأي في كل معضلة عرضت للخلفاء من قبله، وربما رأى الرأي ثم عدل عنه ثم عدل عن عدوله كما حدث في فتواه بيع أمهات البنين؛ فقد كان اتفق مع عمر على منع بيعهن، ثم قال لقاضيه عبيدة السلماني كأنه يخيره بين البيع ومنعه، فقال عبيدة: يا أمير المؤمنين، رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك. فقال: اقضوا بما كنتم تقضون، فإني أكره الخلاف.
ولم ينته الاجتهاد بعد الخلفاء الراشدين؛ لأن الاجتهاد إنما أوجبه أنه ضرورة تعرض للإمام المسئول مع تقلب الأحوال وتجدد الطوارئ والمناسبات، وأحرى أن يكون للتابعين ألزم منه للأولين الذين كانوا على مقربة من معاهد التنزيل وجيرة النبي صاحب الرسالة.
غير أن أهل الذكر الذين يوليهم المجتمع الإسلامي أمانة العلم والأمر بالمعروف قد بادروا إلى دعم أسس التشريع، واستنبطوا له الضوابط والآداب من آيات الكتاب وأحاديث الرسول ومأثور السلف الصالح، فخلصت لهم من ذلك نخبة قيمة من القواعد والشروط يحق لنا أن نسميها قوانين التقنين، وهي تقابل اليوم ما يسمى في عرف المشترعين الغربيين بالحكم وجوامع الأمثال
Maxims .
نامعلوم صفحہ