حقائق الاسلام واباطيل خصومه
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
اصناف
وقد أبت هذه العقيدة على الرجل أن يطيع الحاكم بجزء منه ويطيع الله بغيره، وأبت على المرأة أن تعطي بدنها في الزواج لصاحبها وتنأى عنه بروحها وسريرتها، وأبت على الإنسان جملة أن يستريح إلى «الفصام الوجداني» ويحسبه حلا لمشكلة الحكم والطاعة قابلا للدوام.
إن هذا الشأن العظيم - شأن العقيدة الشاملة التي تجعل المسلم «وحدة كاملة» - لا يتجلى واضحا قويا كما يتجلى من عمل الفرد في نشر العقيدة الإسلامية؛ فقد أسلم عشرات الملايين في الصحارى الإفريقية على يدي تاجر فرد، أو صاحب طريقة منفرد في خلوته لا يعتصم بسلطان هيكل ولا بمراسم كهانة، وتصنع هنا قدرة الفرد الواحد ما لم تصنعه جموع التبشير ولا سطوة الفتح والغلبة؛ فجملة من أسلموا في البلاد التي انتصرت فيها جيوش الدول الإسلامية هم الآن أربعون أو خمسون مليونا بين الهلال الخصيب وشواطئ البحرين الأبيض والأحمر، فأما الذين أسلموا بالقدوة الفردية الصالحة فهم فوق المائتين من الملايين، أو هم كل من أسلم في الهند والصين وجزائر جاوة وصحارى إفريقية وشواطئها، إلا القليل الذي لا يزيد في بداءته على عشرات الألوف. •••
وينبغي أن نفرق بين الاعتراف بحقوق الجسد وإنكار حقوق الروح؛ فإن الاعتراف بحقوق للجسد لا يستلزم إنكار الروحانية ولا الحد من سبحاتها التي اشتهرت باسم التصوف في اللغة العربية أو اشتهرت باسم «الخفيات والسريات» في اللغة الغربية
Mysticism ؛ إذ لا يوصف بالشمول دين ينكر الجسد، كما لا يوصف بالشمول دين ينكر الروح، وقد أشار القرآن الكريم إلى الفارق بين عالم الظاهر وعالم الباطن في قصة الخضر وموسى - عليهما السلام - وذكر تسبيح الموجودات ما كانت له حياة ناطقة وما لم تكن له حياة:
وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم (الإسراء: 44)، وأشار إلى هذه الأشياء بضمير العقلاء، وعلم منه المسلمون أن الله أقرب إليهم من حبل الوريد، وأنه نور السماوات والأرض، وأنه
هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم (الحديد: 3). وحسب المرء أن يتعلم هذا من كتاب دينه، ليبيح لنفسه من سبحات التصوف كل ما يستباح في عقائد التوحيد، ولعله لم يوجد في أهل دين من الأديان طرق للتصوف تبلغ ما بلغته هذه الطرق بين المسلمين من الكثرة والنفوذ، ولا وجه للمقابلة بين الإسلام وبين البرهمية أو بين البوذية - مثلا - في العقائد الصوفية؛ فإن إنكار الجسد في البرهمية أو البوذية يخرجها من عداد العقائد الشاملة التي يتقبلها الإنسان بجملته غير منقطع عن جسده أو عن دنياه.
وحسب المرء أن يرضي مطالبه الروحية ولا يخالف عقائد دينه ليوصف ذلك الدين بالشمول، ويبرأ فيه الضمير من داء الفصام.
كذلك يخاطب الإسلام العقل ولا يقصر خطابه على الضمير أو الوجدان، وفي حكمه أن النظر بالعقل هو طريق الضمير إلى الحقيقة، وأن التفكير باب من أبواب الهداية التي يتحقق بها الإيمان:
قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا (سبأ: 46)،
كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (البقرة: 219).
نامعلوم صفحہ