وأخذها الأفندي معه، وقبل أن تمضي معه استدارت إلى أمها الجالسة على عتبة الدار، وفي حجرها أختها زينب قائلة: اقعدي بالعافية يا امه، خلي بالك من زينب.
وسمعت أمها تقول: الله يعافيكي يا بهية، خلي بالك من نفسك.
ورأتها تمسح عينيها وأنفها بكمها، فاستدارت مسرعة، وسارت في أثر الأفندي، وقلبها ينوء بثقل كبير. •••
وفتحت بهية عينيها في الصباح الباكر على صوت رفيع حاد يقول: بت يا بهية، إنتي لسة ما صحيتيش؟
فانتفضت بهية في فزع، وفتحت عينيها ، وحينما رأت المطبخ الواسع، وموقد الغاز، والثلاجة الكبيرة عرفت أنها في مصر، في بيت سيدها محمد أفندي الشهدي، وليس في دارها بقرية كفر خناش، وردت: حاضر يا ستي، أنا صاحية.
وانطلقت بهية إلى سيدتها، فوجدتها مضطجعة على سريرها الوثير، تحتضن طفلتها، وترضعها من ثدي بض سمين. - إنتي يا بت لسة نايمة؟ - لا يا ستي أنا صاحية من الصبح. - خدي اللفف دي اغسليها في الحمام، وانشريها في البلكونة، وبعدين تعالي بسرعة علشان تحملي نوسة. - حاضر يا ستي.
وفي لمح البصر طارت بهية لتفعل ما أمرتها به سيدتها، ثم حملت الطفلة الصغيرة على ذراعيها، ووقفت تهدهدها. - بس يا ستي نوسة بس، بس يا ستي نوسة بس، بس ...
وكفت الطفلة عن البكاء، وأخذت بهية تتأمل وجهها وعينيها وشفتيها، فرأت أنها تشبه أختها زينب شبها غريبا، وخيل لها أنها هي، فاحتضنتها بحنان وقوة إلى صدرها، وقبلتها.
ولم تكد ترفع وجهها عن الطفلة، حتى انتفضت على الصوت الرفيع الحاد يقول غاضبا: إنتي بتبوسيها يا بت يا بهية؟ عمى في عينك، إياك تاني مرة تبوسيها، وللا تقربي وشك من وشها كدة ... فاهمة؟
وقبل أن تنطق بهية بحرف أحست بيد تهوي على وجهها في صفعة قوية. - حاضر يا ستي، معلهش يا ستي، والنبي يا ستي حرمت.
نامعلوم صفحہ