ولم ترد بهية، واقتربت من الطفلة، وأخذت تربت عليها لتكف عن البكاء، لكن الطفلة التي كانت قد تعودت أن تحمل ظلت تبكي وتصرخ، وجاءها الصوت الرفيع الحاد الغاضب: نوسة بتعيط ليه يا بت؟
واغتاظت بهية ... ممن؟ لم تكن تدري، أمن الأم القاسية، التي تناديها غاضبة، أم من الطفلة المدللة التي تريد أن تحمل؟ ولم تعرف تماما ماذا فعلت، لكنها رفعت يدها في الهواء وهوت بها على وجه الطفلة في لطمة قوية، ثم جرت إلى باب الشقة وفتحته، وانطلقت في الشارع تعدو.
ولم تهدأ بهية إلا بعد أن ابتعدت عن بيت سيدها كثيرا.
ورأت رجلا تبدو على ملامحه الطيبة، فسألته عن «الكافوري» الذي يمكن أن يوصلها إلى قرية كفر خناش، وكان الرجل طيبا فدلها على الطريق، وأعطاها بعض القروش.
وجلست بهية على أرض «الكافوري»؛ فقد أبى الكمساري أن يمنحها كرسيا لتجلس عليه؛ لأن القروش التي كانت معها لم تكف لتصرف بها نصف تذكرة، وتبرع لها الكمساري بحيز صغير من أرض العربة حتى تصل إلى قريتها.
ووقفت العربة في «كفر خناش».
وانتفضت بهية واقفة على قدميها، وقفزت من العربة، ووضعت ذيل جلبابها بين أسنانها، وأطلقت ساقيها للريح.
ووجدت باب الدار مفتوحا كعادته دائما، فاندفعت داخلة متلهفة، وقبل أن تصل إلى صحن الدار، سمعت صوت أختها زينب تبكي بحرقة، فجرت إليها، ورأتها كما كانت تراها دائما عارية الردفين، والتراب يغشى أنفها وشفتيها. - يا حبيبتي يا زينب!
وأخذتها بين ذراعيها، وراحت تغمر وجهها بالقبلات، وتنهدت بهية في سعادة؛ إنها تستطيع أن تحب زينب كما تريد، وتحنو عليها كما تريد، وتقبلها كما تريد، لن ينهرها أحد ولن تتلقى عن ذلك صفعات أو شتائم.
وضمت بهية أختها إلى صدرها أكثر وأكثر، وحينما رأت أمها تدخل من باب الدار قالت لها: ماهانتش علي زينب يا امه، قلت اجي اشيلها.
نامعلوم صفحہ