وكان عبد المعز يشعر بميل إلى التحدث إليها، فأغضى من سخريتها وسألها بدوره: وهل يهمك أن تعرفي ذلك؟ - كيف لا؟ - ولمه؟ - لأسباب كثيرة أقلها أن أعرف عمرك. - وما علاقة العمر بالعشق؟
فغمزت بعينيها وقالت: نحن معشر أهل الهوى نقدر الأعمار بحساب الحب، مثلنا مثل العرافة التي تهتدي إلى معرفة الأعمار بالرمل والنجوم.
فضحك الأسطي شلبي وقال: إذن فعبد المعز لم يولد بعد على تقديرك.
فضربت المرأة صدرها بيدها وقالت بإنكار: رباه .. ولم تحرم نفسك من الحب يا بني؟ .. ألا ترى الأسطي شلبي لا يفيق من الهوى وإن رد إلى أرذل العمر؟
فتغاضب شلبي وقال محتجا: أيقال عني أنا مثل هذا الكلام؟ (وفتل شاربه واستمر قائلا) أهذا شارب رجل رد إلى أرذل العمر؟
فعبثت أناملها المخضبة بالحناء بشاربه وقالت: أقسم أنك سرقت هذا الشارب من زبون شارد الفكر!
ولم يكن لدى الممثلة متسع من الوقت لتسترسل في مداعباتها، فشربت كأسها وحيت الأسطي وقرصت عبد المعز مرة أخرى، وسارت ترقص على نغم موسيقاها الباطنة.
واختتم التمثيل عند منتصف الليل، وانتظر الأسطي شلبي السيدة نور الحياة حتى انتهت من تغيير ملابسها وعادت إليه، وركب ثلاثتهم تاكسي انطلق بهم صوب المدينة. وفي أثناء الطريق كان عبد المعز يختلس من الوجه الممتلئ الجميل نظرات جائعة، وكانت المرأة بعينين نصف مفتوحتين لا تخفى عليها خافية، وقد وجدت لذة غريبة في مشاهدة قلقه وتحيره، وأرادت أن تغضي عنه استهانة فلم يطاوعها وجدانها، وأخيرا أحست نحوه بعطف غريب لم تحاول إخفاءه. وبلغ التاكسي ميدان المحطة فأمر الأسطى السائق بالتوقف ريثما يودعهما عبد المعز الذي قدر له أن يعود إلى البيت وحده تلك الليلة، وأرادت نور الحياة أن تحسن توديعه فقالت: يا عيني .. أتعود إلى البيت وحدك؟ .. خذ هذه القبلة لتؤنس وحشتك.
ومالت نحوه بسرعة وقبلت فمه قبلة فاضحة ذات رنين عجيب.
ووقف الشاب ينظر إلى التاكسي الذي ابتعد بهما في جوف الليل إلى حيث لا يعلم، وكان ذاهلا محموما يتصاعد الدم إلى رأسه كما يتصاعد الزئبق إلى الترمومتر، ويحس بالقبلة على شفتيه ويدوي رنينها في أذنيه، ويشم رائحة الفم المعطر بالقرنفل، واهتاجت أعصابه تلك الليلة الفريدة في حياته، فجعلت تخلق له الأحلام وتدني إليه الأماني، وأنامت بين ذراعيه نور الحياة بشحمها ولحمها لتروي اشتهاءه بفنون الحب جميعا.
نامعلوم صفحہ