اعبدوا ربكم
إما على أن لا حرف نهى وتجعلوا مجزوم، والجملة معطوفة على جملة اعبدوا، عطف نهى على أمر، وكلاهما غير إخبار، وإما على أن لا نافية وتجعلوا منصوبا بأن مضمرة وجوبا، فى جواب الأمر والمصدر معطوفة بالفاء مصدر مقدر من اعبدوا، أى لتكن منكم عبادة ربكم فعدم جعلكم لله أندادا، أو متصل فى المعنى بقوله { لعلكم تتقون } ، على أن لا نافية وتجعلوا منصوب كذلك على جواب الترجى، لأن الترجى فى عدم القطع مثل الأمر والنهى ونحوهما، مما ينصب المضارع فى جوابه أى لعلكم يكون منكم الاتقاء وعدم جعل الأنداد لله، وقد تقدم جواز اتصال ذلك فى المعنى بقوله { الذى جعل } بأن يكون الذى مبتدأ ولا تجعلوا خبرا ولا ناهية، أو الذى منصوب على الاشتغال وتجعلوا مشغول والفاء فى الخبر أو المشغول لتضمن المبتدأ أو المنصوب على الاشتغال معنى أو شرط ففيها تلويح بالسببية، ومن منع الإخبار بالأمر والنهى يقدر القول أى مقول فيه لا تجعلوا، والمعنى على اتصال ذلك بالذى جعل على أوجهه أن من هدى إليكم هذه النعم العظام والآيات الجسام ينبغى أن تزدجروا وتنتهوا عن إشراك الأنداد به، والنداء المثل الذى يعادى ويقاوم. قال جرير
أتيما تجعلون إلى ندا وما تيم لذى حسب نديدى
وإلى فى البيت بمعنى اللام متعلق بتجعل أو هى على أصلها على تضمين تجعل معنى تضم متعلق بتجعل أو حال من تيما أو ندا أى مضموما إلى، والنديد والند بمعنى واحد ، وهما مأخوذان من ندندودا أى نفر نفورا.
ومنه حديث الإيضاح ما ند لكم فاصنعوا به هكذا، وناددت الرجل خالفته قيل خص بالمخالف المماثل فى الذات، كما خص المساوى بالمماثل فى القدر، وذكر بعضهم أن الند المشارك فى الجوهر، وأن المثل يقال فى أى مشاركة كانت، فكل ند مثل ولا عكس، وتفسير الشيخ هود رحمه الله بالعدل تفسير بالمقاوم، وقد فسره بعضهم بالمقاوم والمضاهى، أو تفسير الشيخ هو تفسير بالمساوى يقال هذا عدل ذاك أى مقابله وموازنه، ويقال عدله أى مساويه، وعبارته يعنى أعدالا أى لا تعدلونهم بالله تعبدونهم. انتهى. وفسره بعض بالمثل كأنهما مترادفان، وأما تفسيره بالشريك بالعبادة ففيه ميل إلى التفسير بالمعنى المقصود فى الآية. وإن قلت لم سمى الله ما يعبده المشركون أندادا مع أن الند هو المساوى فى الذات والصفات المخالف فى الفعل، وهم لم يزعموا أن معبوداتهم تساوى الله فى الذات والصفات، ولم يزعموا أنها تخالفه فى الفعل؟.. قلت لأنهم تركوا عبادة الله وعبدوها، وسموها آلهة فشابهت حالهم حال من يعتقد أنها تساوى الله فى الذات والصفات، كوجود الوجود والقدرة، فكأنهم قالوا تدفع عنهم ما قدر الله عليهم من بأس، وتعطيهم ما منعهم الله من خير، ففى ذلك استعارة تمثيلية مقصود فيها التهكم لا تهكمية، هى استعارة أحد الضدين للآخر. ووجه التهكم ما شنع عليهم به، من أنهم جعلوا أندادا متعددة لمن يمتنع أن يكون له ند، حتى نهاهم عنها وعليهم كيف تتخذونها وأنتم تعلمون. قال زيد بن عمرو بن نفيل، وهو موحد جاهلى، له ذكر فى مسند الربيع بن حبيب رحمه الله
أرب واحد أم ألف رب أدين إذا تقسمت الأمور تركت اللات والعزى جميعا كذلك يفعل الرجل البصير ألم تعلم بأن الله أفنى رجالا كان شأنهم الفجور وأبقى آخرين ببر قوم فيربو منهم الطفل الصغير
فارق دين قومه ووجد الله - جل وعلا - ومعنى أدين أطيع وأنقاد له، وشأنهم بالنصب خبر كان والفجور اسمها وشأنهم فعل ومفعول، والفجور فاعل أو الجملة خبر كان واسمها ضمير الشان، وبر قوم بكسر الباء إحسان القوم، وهو ضد الفجور، ويربو ينمو ويزيد، والخطاب فى الآية للمشركين الذى يعلمون أن الخالق الرازق هو الله كما علمت، فالمراد بالعلم فى قوله تبارك وتعالى { وأنتم تعلمون } العلم الخاص وهو العلم بأن الله تعالى خلق الخلق، وأنزل الماء، وأخرج الرزق. وقيل الخطاب لكفار بنى إسرائيل، أى وأنتم تعلمون من الكتب التى عندكم أن الله سبحانه لا ند له. وقال ابن فورك يحتمل أن تناول الآية المؤمنين الجمهور على الأول.
أى وأنتم تعلمون أن الله هو الخالق الرازق لا غيره، ولا يكون إله إلا من يخلق ويزرق، لو تعلمون أن تلك المعبودات لا تماثله ولا تقدر على مثل ما يفعله، كقوله تعالى
هل من خالق غير الله
وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها
نامعلوم صفحہ