فويل للمصلين
ونحو ذلك. { ومما رزقناهم ينفقون } ينفقون مما رزقهم الله النفقة الواجبة كالزكاة وإقراء الضيف الواجب، وتنجية المضطر ونفقة من لزمته نفقته، وأداء ما وجب من الكفارات ونحو ذلك، ونفقة التطوع فى وجوه الأجر، ويحتمل أن يريد النفقة الواجبة مطلقا ويدل له، إنما ذكر قبل ذلك وما ذكر بعده فى الآية كله واجب، ويحتمل أن يريد أداء الزكاة اقتصارا فى الذكر على أفضل أنواع الإنفاق، ويدل له اقترانه بالصلاة، وقد كان معلوما أن الصلاة والزكاة أختان، إلا أن يقال المراد بالصلاة الواجبة وغير الواجبة، قيل ويحتمل أن يراد الإنفاق من جميع ما رزقهم الله من أنواع الأموال، ومن العلم وقوة البدن والجاه وفصاحة اللسان، ينفعون بذلك عيال الله سبحانه وتعالى على الوجه الجائز، وقيل المعنى ومما خصصناهم به أنوار معرفة الله جل وعلا يفيضون، وهذا القول الذى قبله أظنهما للصوفية أو لمن يتوصف، وليس تفسير الصوفية عندى مقبولا إذا خالف الظاهر، وكان تكلفا أو خالف أسلوب العربية، ولا أعذر من يفسر به ولا أقبل شهادته وأتقرب إلى الله تعالى ببغضه والبراءة منه، فإنه لو كان فى نفسه حقا لكن جعله معنى للآية أو للحديث خطأ، لأنه خروج عن الظاهر وأساليب العرب الذين يتخاطبون بها وتكلف من التكلف الذى يبغضه الله، فإن القولين وإن ناسبهما قوله صلى الله عليه وسلم
" إن علما لا يقال به ككنز لا ينفق منه "
الذى رواه ابن أبى شيبة وقوله صلى الله عليه وسلم
" مثل الذى يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذى يكنز الكنز ثم لا ينفق منه "
الذى رواه الطبرانى فى الأوسط، لكن لا يصحان تفسيرا للآية، إذ لا يتبادر ذلك ولا يجرى على أسلوب العرب، والقول الأخير أبعد، وأنا أعد اعتقادى ذلك نورا ومعرفة أفاضها الله الرحمن الرحيم على، وقد أقبل القول الذى قبله لأنه قريب من أسلوب العرب، وقليل التكلف، والصحيح أن المراد النفقة الواجبة وغير الواجبة من المال، وقد أذكرنى هذا المحل بواقعة حال، هى خفاء معنى قوله صلى الله عليه وسلم
" ملعون من سئل بالله بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله ثم لم يعط ما لم يسأل هجرا "
رواه الطبرانى عن ابن موسى فى الكبير وهو مذكور فى صحيحى الذى من الله على الرحمن الرحيم بتأليفه، الذى ألفته بحول الله وقوته، لتتم به مع مسند الربيع بن حبيب - رحمه الله - الفائدة، وكثرة سؤال الطلبة عن معناه، وقد ألفت فى تفسيره تأليف تطول وستدلال. وأقول هنا بطريق الاختصار وترك الاستدلال المراد فيه بالمسائل والمسئول نوع من السائلين والمسئولين مخصوص. أما السائل فهو من يسأل بوجه الله ليعطيه من لا يسمح بالإعطاء فيعطيه كارها مقهورا فيكون السائل بمنزلة الغاصب، ومن جملة من يأكل أموال الناس بالباطل، أو من يسأل على صفة يعطى بها، وليست فيه كادعاء فقر أو نسب أو غرامة أو كتابة أو إرادة نكاح أو ادعاء عيال أو نحو ذلك مما ليس فيه، أو من يسأل تكاثرا عن ظهر غنى على القول بكفره، أو من يسأل معصية من العاصى أن يفعلها المسئول فى نفسه أو فى السائل أو فى غيرهما، أو فى ماله أو مال السائل أو غيرهما، كتعد فى زكاة كإعطائها غير أهلها أو فى عرض أحدهم، أو معنى لعنه شتمه بأن يقال ملح ملحف حريص يسألنا بالله فنعطيه أجبنا أو كرهنا، أو من سأل عن صفة من صفات الله فلم يجد جوابا بحق فإنه كافر كفر شرك على مشهور المذهب، والذى عندى أنه لا يكفر ولا يكفر من خطرت فى قلبه أو سمعها ولم نعلم حكمها، بل يعتقد أنه تعالى ليس كمثله شىء والباء بمعنى عن أو فى، أى فى شأن صفة من صفات الله ووجه الله أهو الله، وأما المسئول فهو من سأله مضطر محتاج فلم يعطه. وقد وجد أن يعطيه وجل الإعطاء أو سأله الإمام العدل أو نائبه الزكاة فمنع أو سئل الحق الواجب عليه فمنع كنفقة من تجب نفقته، وإقراء الضيف الواجب، أو سئل عن صفة من صفات الله فلم يعط الجواب لجهله، أو لكتم العلم فإنه يكفر عن المشهور كما مر كفر شرك، إذا جهل ما سئل عنه منها أو خطر فى قلبه أو سمعه، ولم يعلم حكمه ولا يكفر عندى.
والباء فى هذا الوجه بمعنى عن أو فى أى فى شأن صفة من صفات الله ووجه الله هو الله، أو معنى لعن السائل إبعاده عن ساحة الزهاد وإدخاله فى نوع الحريصين، إذا بذل وجه الله سبحانه فى شىء، ومعنى لعن المسئول كذلك إذا اختار غير الله على الله وإن قلت نجدهما ملعونين بأحد المعانى السابقة، سواء ذكر السائل اسم الله أو لم يذكر، قلت نعم لكن خص ذكر الله - جل وعلا - لأنه أشد أيقاعا فى اللعنة على أوجهها فى المعانى السابقة، وذلك كله ما لم يسأل هجرا لبناء يسأل للفاعل الذى هو السائل، أو المفعول الذى هو المسئول، فنفرض كل مسألة لا يجوز للسائل أن يسألها إنها هى الهجر، فلا يكون المسئول فيها ملعونا إذا رده، فمن الهجر السؤال عن ظهر غنى، والسؤال بصفة غير ثابتة للسائل، وسؤال المعصية ونحو ذلك فافهم، ومن الهجر أن يسأله ليلقيه فى مشقة العطاء أو الكفر تعنيتا، فإذا عرف منه هذا لم يجب عليه الإعطاء ولو اضطر السائل إذا عرف منه ذلك القصد، ومن أراد الإطالة فى ذلك فعليه بتأليفى الذى أفردته فيه. والله أعلم. وإن قلت الرزق عندنا معشر الإباضية الوهبية وعند غيرنا ما مكن الله جل وعلا الحيوان من الانتفاع به، سواء كان حلالا أو حراما، أو شبهة، وسواء كان مأكولا أو مشروبا أو غيرهما، وسواء كان الحيوان إنسانا أو غيره، فهل تقول إن الله - جلا وعلا - مدحهم على الإنفاق ولو من حرام؟ قلت لا نقول مدحهم على الإنفاق من حرام ، بل إنما ينفقون من حلال، وبه مدحهم، ويدل على هذا وصفه إياهم بالاتقاء، فهم ينفقون الحرام والشبهات، فكيف يتناولهما حتى ينفقوهما؟ فوصفه إياهم بالإيمان بما نزل إلى سيدنا محمد وغيره صلى الله عليه وسلم وعلى سائر الأنبياء، وقد حرم عليهم فى ذلك ما هو حرام من مال أو غيره، فكيف يتملكون الحرام وينفقونه، وقوله سبحانه وتعالى
ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون
نامعلوم صفحہ