{ أو لحم خنزير } الخنزير كله الوحشى والإنسى حرام لحمه وشحمه وعصبه ما يؤكل منه وما لا يؤكل، ذكى أو لم يذك، وخص اللحم بالذكر لأنه معظم ما يؤكل من الحيوان وسائر أجزائه حكمه يعلم بحكم لحمه وهو تبع اللحمه، وقد قال فى الأنعام
فإنه رجس
أى فإن الخنزير رجس على ما يأتى فيها إن شاء الله، وهو عندنا نجس حيا أو ميتا وكذا عند جمهور الأمة وقال مالك إنه طاهر حال حياته، وكذا كل حيوان عنده طاهر إذا كان حيا ولو كان محرما، وعلة الطهارة عنده الحياة ألا ترى الإنسان محرم وهو فى حياته طاهر، فانظر شرحى على النيل. وقال الشافعى فى جديده إن ولغ الخنزير فى إباء غسل سبعا أولاهن وأخراهن بالتراب، وقال فى قديمه تكفى غسلة واحدة، لأن الغليظ فى الكب، لأن العرب تألفه بخلاف الخنزير. وقال مالك للسم، وقيل غلظ فيه تعبدا ولا يتعدى حكمه إلى الخنزير. { وما أهل به لغير الله } أى وما رفع الصوت به للصنم كقول أهل الجاهلية عند الذبح والنحر باسم اللات وباسم العزى، أو باسم مناة يذكرون اسم أصنامهم عند الذبح أو النحر، ولو لم يكن الذبح أو النحر للأصنام، ولا سيما إن كان لها كما نذكر اسم الله عند فى ذبح أو النحر، وليس مما أهل به لغير الله ذبائح أهل الكتاب، ولو ذكروا عليها غير الله لقوله تعالى
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم
يعنى ذبائحهم أو جميع طعامهم الذبائح وغيرها. قال عطاء والحسن ومكحول والشعبى وابن المسيب تجوز ذبيحة النصارى ولو ذكروا عليها اسم المسيح لعموم الآية. وقال مالك والشافعى وأبو حنيفة لا يحل ذلك لأن ذلك إهلال لغير الله وعن على بن أبى طالب إذا سمعتم اليهود والنصارى يهلون لغير الله فلا تأكلوا أى لهذه الآية، وإذ لم تسمعوا فكلوا، فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون، وما واقعة على الحيوان المذبوح والمنحور، والإهلال رفع الصوت مطلقا، وأصله ظهور الهلال، يقال أهل الهلال، أى ظهر، وأهللته رأيته أو ظهر لى، لكن لما جرت العادة بالتكبير إذا رئى يسمى رفع الصوت بالكتبير عنده إهلالا، ثم قيل لرفع الصوت مطلقا إهلالا كالتكبير عند غير الهلال، ويقال أهل بالحج رفع صوته بالتلبية له، وأهل الصبى واستهل رفع الصوت بالبكاء، قيل ثم قيل لكل ذابح جهل وإن يجهر بالتسيمة، وقيل جرت عادة العرب بالصياح باسم المقصود بالذبيحة، وغلب ذلك فى استعمالهم حتى عبر به عن النية التى هى علة التحريم، وهاء به عائدة إلى ما والباء بمعنى على أو مع للإلصاق أو ما رفع الصوت عليه أو معه، أو أوصل به، وذلك الرفع لغير الله لأنه لم ينو الله ولم يذكر اسمه، بل اسم غيره وبه نائب فاعل أهل.
{ فمن اضطر } بضم النون تبعا للطاء، لأن همزة الوصل بينهما محذوفة نطقا، الضاد ساكن وهو لسكونه غير حاجز حصين. وقرأ عاصم وحمزة بكسر النون، وكذا كلما سكن قبل همزة الوصل المضموم ضما لازما بعد تاليها، الثلاثة يكسرون على أصل التقاء الساكنين، والباقون يضمون تبعا مثل وأن اعبدوا، وأن أحكم، لكن انظروا، وأن اغدوا، ولقد استهزئ، وقالت أخرج، وقتيلا انظر، ومبينا قتلوا، قل ادعوا الله أو انقص، إلا أبا عمرو فإنه يضم ذلك الساكن إذا كان لاما أو واوا كالمثالين، وكالجمهور، واستثنى ابن ذكوان من ذلك التنوين خاصة فكسره إلا حرفين فضم فيهما برحمه ادخلوا، وخبيثة اجتثت، هذه رواية ابن الأحزم عن الأخفش عنه، وروى عن النقاش وغيره بكسر ذلك حيث وقع، والاضطرار الألجاء أى فمن اضطره الله بالجوع أو اضطره الجوع، فاضطر مبنى للمفعول وهو من المتعدى، ولو بنى للمفعول لكان الفاعل الله أو الجوع، والمعنى فمن اضطر إلى الأكل من ذلك الأكل. { غير باغ ولا عاد } غير حال من الضمير المستتر فى اضطر، والباغى خارج عن الإمام أو القاضى أو الحاكم أو الجماعة مريدا للإفساد أو هارب من حق، والعادى الخارج لقطع الطريق، وقيل الباغى هو الذى يبغى على مضطر آخر مثله، فيمنعه من الأكل من ذلك ويأكل وحده، والعادى هو الذى يجاوز الحد فى ذلك فيأكل أكثر من سد الرمق، أو يحمل معه، وهو قول أبى حنيفة لكنه يجيز لمن سافر فى معصية، واضطر أن يأكل من ذلك، وقال أصحابنا والشافعى ومالك وأحمد لا يجوز للعاصى بسفره الأكل من ذلك عند اضطراره، والذى عندى أن المضطر فى سفر معصية يتوب ويأكل لئلا يموت، وكذا عند هؤلاء، وعندنا لا يجوز له إفطار رمضان فى سفر معصية اضطر أو لم يضطر للإفطار، فإن أفطر كان كمن أفطر فى الإقامة، لكنه عندى يتوب ويأكل إن خاف الموت أو زوال عضو أو منفعة كسمع وبصر، ويعيد ويعطى الكفارة المغلظة، أو يوصى بها، ولا يجوز له التيمم بفقد ماء فى سفر المعصية، أو حدوث ضر فيه مانع من الغسل، فإن كان ذلك كان كمن ترك الوضوء فى الإقامة واحدا قادرا، وإن قصر كان كمن قصر فى الحضر، ولكنه عندى يتيمم إن لم يجد، ولم يقدر ولزمته المغلظة، ويصلى التمام تقليدا، والذى من رأيى أنه يصلى قصرا ويعيد على كل حال ويتوب، وكذا قال الشافعى وأحمد ومالك، لا يترخص لمن سافر فى معصية برخص المسافرين حتى يتوب.
قال ابن عباس رضى الله عنهما { غير باغ ولا عاد } ، غير خارج عن السلطان ولا معتد بسفره فى معصية، وقيل { غير باغ } غير طالب الميتة وما ذكر معها وهو يجد غير ذلك، { ولا عاد } غير معتد ما حل له، وقيل غير مستحل لها استحلالا مطلقا بل استحلالا بقيد الاضطرار الذى هو فيه، وغير متزود منها. وقال قتادة { غير باغ ولا عاد } ، غير قاصد فساد وتعد بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة ويأكلها، وكان يجيز الأكل منها للمضطر العاصى فى سفره والحق منع ذلك لأن إباحة الأكل منها له إعانة على معصية، والمنع مذهب الجمهور، وبه قال مجاهد، قال المعنى غير باغ على المسلمين وعاد عليهم، فيدخل فى الباغى والعادى قطاع السبل، والخارج عن السلطان، والمسافر فى قطع الرحم، والغارة على المسلمين وما شاكل ذلك، والرخصة لغير هؤلاء، ومذهبنا أن المضطر يأكل ما يسد رمقه. وقال بعض أصحابنا يأكل ما يصل به وينجو به ويؤدى فرضه ولا يتزود منها، وقال مالك يأكل المضطر شيمه، وفى الموطأ وهو لكثير من العلماء يتزود من ذلك إذا خشي الضرورة فيما بين يديه من مفاوز وقفار. وقال ابن العربى إذا دمت على المخمصة فلا خوف فى جواز شبع المضطر، وإن كانت نادرة ففى شبعه قولان أحدهما لمالك يأكل حتى يشبع ويتضلع، وقال غيره يأكل بمقدار سد الرمق، وبه قال ابن حبيب وابن الماجشون وأبو حنيفة، وعن الشافعى القولان، وعن سهل بن عبدالله بن عون دخلت على الحسن فإذا عنده كتاب فقال هذا كتاب كتبه شمره لولده، فإذا فيه يجزئ من الضرورة أو من الضارة صبوح أو غبوق، وذكر الحسن
" أن رجلا قال يا رسول الله متى تحرم على الميتة؟ قال " إذا رويت من اللبن وجاءت مبرة أهلك "
ذكره الشيخ هود، وهو تمثيل بحال الغنى عنها لا قيد بوجود الشبع من الحلال، وإذا غنى عنها حرمت ولو جاع، ثم من اضطر ووجد ذلك كله أو متعددا منه فقيل يسد رمقه من كل يجزئ، وإن شاء سده من واحد، وقيل يشبع على ما مر من عموم أو تفصيل من مجموعها، وإن شاء شبع من واحد، وقيل يأكل مما قدمه الله على الآخر فى ذكر التحريم، لأن الإباحة للمضطر مفرعة على ذلك المرتب، فإن أقرب ذلك الميتة لأنها لو ذكيت حال الحياة لحلت وماتت غير مهل لها لغير الله، ويليها الدم، لأن منه حلالا طاهرا وهو غير المسفوح ودم اللحم والقلب فى قول، وأيضا قد كان فى الشرع ما حل من الميتة والدم وهو السمك والجراد والكبد والطحال فهما مقدمان على المهل بها لغير الله، لأنه لا حال لها نحل فيه لغير المضطر، ولأن فيها ميتة ودما حراما، ولو كانت حرمته بالموت لا بالسفح وفيها إهلالا لغير الله، ومع هذا تقدم على الخنزير لأنها لو ذكيت باسم الله لحلت، ولو ذكيت به بعد الإهلال لغير الله لحلت إن أدركت فيها حياة والخنزير لا تعمل فيه الذكاة، ولا حالة يحل فيها لغير المضطر، وقيل إن وجد حيا ذكى وقدم على الميتة والدم وما أهل به لغير الله إن لم تدرك فيه حياة ويذك، واختلفوا فى أن من أكل شيئا من ذلك لضرورة هل ينتقض وضوءه أو يتممه إن تيمم أو لا ينقض؟ واختلفوا هل تقدم هذه الأشياء لأنها لا حق فيها لمخلوق، أو يقدم مال الناس، لأنه حلال وينوى الخلاص، ويشهد أو يكتب فى وصيته لصاحبه، واختلفوا هل ينجى بالميتة المدودة؟ فقيل لا يأكل منها، لأنها لا تنجى وإن أكل هلك، وقيل يأكل ويقدم ذلك على الخمر، وقيل لا ينجى بالخمر لعدم ورود الترخيص فيها إذا اضطر، واختلفوا هل يأكل ذلك أو يشرب الخمر إذا جبر بالقتل قياسا على الأكل ولا إذ الترخيص لم يرد فى الإخبار وكذا المداواة بحبة إن لم يداو بذلك مات أو ساعة غصة يخمر فى ذلك خلاف.
{ فلا إثم عليه } لا ذنب عليه فى أكله، وهذا لمجرد دفع ما يتوهم الإنسان من الإثم فى الأكل من ذلك عند الاضطرار، فلا يفيد جواز ترك الأكل من ذلك عند الضرورة واجب ترخيصا من الله. ومن ترك رخصة الله وهلك، جاء يوم القيامة على ظهره كجبل أحد، ومن اضطر ولم يأكل من ذلك فمات دخل النار، لأن ذلك قتل منه لنفسه، قال الله عز وجل
نامعلوم صفحہ