ہمیان الزاد الی دار المعاد

قطب اطفيش d. 1332 AH
186

ہمیان الزاد الی دار المعاد

هميان الزاد إلى دار المعاد

اصناف

وهو على كل شئ قدير

والجملة مستأنفة أو معطوفة على { يحيى الله الموتى }. { لعلكم تعقلون } تتفكرون فتعلمون أن القادر على إحياء نفس قادر على أحياء النفوس كلها، أو لعلكم تدركون بعقولكم تلك، أو تعلمون على مقتضى العقل، أو تكمل عقولكم ولعل كما مر للتعليل أو للترجى فى جانب المخلوق، فإن قلت لو أمرهم الله بذبح البقرة، ولم يأمرهم بقتلها مطلقا أو بالقطع منها، قلت لأن ضرب القتيل ببعضها انتفاع به، والانتفاع بالميتة لا يجوز لما روى عنه صلى الله عليه وسلم

" لا تستنفعوا من الميتة بشئ إلا بإهابها بعد الدبغ "

وفيه روايات مختلفة بعضها عن الربيع بن حبيب، والمعنى واحد ولتؤكل بعد الذبح، ولو قتلت لحرمت، ولأن فى القطع منها حية تعذيبا لها وتحريما للمقطوع وتصييرا له ميتة، لأن ما قطع من حى وهو حى فهو ميتة. وإن قلت فهلا أحياه الله بلا ضرب ببعض البقرة؟ قلت قضى إحياءه بضربه بها لئلا يتوهم أحد أن موسى أحياه بضرب من السحر أو الحيلة فتقوى الحجة، ويعلموا أن ذلك من الله، وخص ذلك بالبقرة الموصوفة لتوجد عند اليتيم المذكور وحده فيربح فيها ذلك الربح العظيم، فلذلك لم يكن ببقرة مطلقا ولا بجمل ونحوه من الحيوان، والتنبيه على بركة التوكل فإن أبا ذلك اليتيم استودع تلك البقرة فى الصحراء، وقال استودعتكها الله، وللتنبيه على الشفقة على الأولاد، والتنبيه على ما يحصل من الخير لمن بر أبويه، فإنها ليتيم بر أمه كما علمت، ولم يعق أباه، أو لرجل بر اباه وأمه كما علمت، ولتحمل المشقة فى تحصيل البقرة بصفاتها، ولتقرب بقربان من أعظم القرابين، وليتقربوا بقربان كما جرت العادة عندهم، وليكونوا قد أدوا واجبا عظيما، وللتنبيه على أن من حق الطالب أن يقدم قربة، وأن من حق المتقرب أن يتحرى الأحسن، ويغالى بثمنه كما روى أبو داود وغيره أن عمر رضى الله عنه ضحى بنجيبة اشتراها بثلاثمائة دينار، وهى الناقة الكريمة العظيمة، وللتنبيه على أن المؤثر فى الحقيقة هو الله تعالى، إذ لا تتصور حياة بين ميتين من غيره، قاله القاضى وزكريا.

وأنا أنزه فصاحة القرآن وبلاغته وجرياته على أسلوب كلام العرب على كلام صوفى أثبته القاضى هنا، وهو أن فى ذلك تنبيها، على أن من أراد أن يعرف أعدا عدوه الساعى فى إماتته الموتى الحقيقى، فطريقه أن يذبح بقرة نفسه التى هى القوة الشهوية حين زال عنها شره الصبى، ولم يلحقها ضعف الكبر، وكانت معجبة رائقة المنظر غير مذللة فى طلب الدنيا، مسلمة عن دنسها لا سمة بها من مقابحها، بحيث يصل أثره أى أثر الذبح إلى نفسه فيحيا بها حياة طيبة، ويعرب عما به ينكشف الحال ويرتفع ما بين العقل والوهم من التدارى والنزاع، فإن هذا كله حق لكن لا تعرفه العرب من الكلام، فإن كلامهم لا يفيده فلم يرد القاضى أن العبارة تفيد ذلك، بل أشار إلى أن ذلك تلويح من الله تعالى إلى بنى إسرائيل فى زمان ذلك القتيل وينتبه له كل من أراد الله، وليس ذلك فى شئ من معانى الكلام.

[2.74]

{ ثم قست قلوبكم } عطف على محذوف، أى فعقلتم ثم قست قلوبكم، أو فتذكرتم ثم قست قلوبكم، أو لنتم ثم قست قلوبكم أيها اليهود، ومعنى قسوتها امتناعها عن قبول الحق، شبه عدم تأثير الحق فيها بعدم تأثير الغمز فى الأجسام الصلبة كالحجر والحديد، أو شبه قلوبهم بالأجسام الصلبة، ففى ذلك استعراة بالكناية رمز إليها بقست، أو شبه عدم قبول الحق بقسوة الأجسام الصلبة، فالاستعارة تصريحية تبعية، أو شبه توجيه الحق إلى قلوبهم وامتناعها عن قبولها بتوجيه نحو الغمز إلى الأجسام الصلبة وعدم تأثيره فيها، فهى استعارة تمثيلية تبعية، ولاعتبار الاستعارة بأوجهها حسن التفريع بقوله فهى كالحجارة، ولك أن تعتبر التعقل الصادر منهم أو التذكر أو اللين الصادر منهم كلا تعقل أو تذكر أو لين لعدم كماله ورسوخه، فتكون ثم لغير التراخى فى الزمان بلا لاستبعاد قسوة القلوب بعد تلك الآيات العظام، فإن نور العقل يستبعدها وتكون عنده مستحيلة، فيجوز العطف بثم على المحذوف الآخر، وهو قولنا فحيى أو على يريكم وما ذكرته أولا أولى، ويدل له قول قتادة وغيره المراد قلوب بنى إسرائيل جميعا فى معاصيهم وما ركبوه بعد ذلك، وكذا يدل له قوله { من بعد ذلك } فإن ذلك يناسب كونها للتراخى فى الزمان على الأصل فيها. { من بعد ذلك } المذكور فى إحياء القتيل أو المذكور من إحياء القتيل وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، ورفع الجبل، وفرق البحر، ونحو ذلك فإن كل واحد من ذلك مما يوجب الأيمان ولين القلب والعمل بالشرع. { فهى } أى قلوبهم. { كالحجارة } فى قسوتها. { أو أشد } منها فحذفه لدليل كقولك عمرو وكريم وزيد أكرم أى منه. { قسوة } أى أو زائدة على الحجارة فى القسوة، وقسوة تمييز، ويجوز أن يكون المعنى أنها مثل الحجارة أو مثل ما هو أشد من الحجارة وهو الحديد مثلا، ووجه التوصل إلى هذا الوجه أن تجعل الكاف اسما ظاهرا فى محل رفع لا حرفا، والحجارة مضاف إليها وأشد بالرفع معطوفا على الكاف على حذف مضاف، أى أو كأشد فالكاف معطوفة على الكاف، وأشد مضاف إليه فلما حذف المضاف وهو الكاف الثانية ناب عنه المضاف إليه وهو أشد فارتفع وهذا على إجارة مجئ الكاف اسما فى السعة، وإن تجعل أشد معطوفا على ثابتة المقدر قبل الكاف أو على كالحجارة النائب عنه على مقدر مضاف، أى أو مثل أشد منها، ويدل على المعنى الثانى وهو أنها كالحجارة، أو مثل ما هو أشد بوجهى التوصل إليه. قرأه الحسن البصرى والأعمش، أو أشد بفتح الدال جرا عطفا على الحجارة، فهو بمنزلة قولك كالحجارة أو أشد قسوة، ولا يخفى أن الحديد أقوى من الحجر وأقسى، فإنه يكسر الحجر ولا يكسره الحجر إلا بعد اللذيا واللتيا وإلا ما رق منه أو داخلته علة، ولا يخفى أيضا أن الحجر لا يقبل الغمز والحديد يقبله بشدة، ويقبله بالنار، فجاز أن يقال أو مثل أشد من الحجارة وهو الحديد مثلا من حيث أنه يكسر الحجر، وقد يقال أشد منه ليس مرادا به الحديد، لأن الكلام فى عدم الليانة والحديد يلين بالنار، بل المراد بأشد الجسم الصلب الذى لا يلين بها، لكن هذا باعتبار الغالب فى أعمال الناس وإلا فالحجارة أيضا تلين بالنار، لأنها تذوب بعقاقيرها، ولا يستدل على لين الحديد بلينه لداود عليه السلام بلا نار، لأنه أمر خارق للعادة، وإنما لم يقل فهى كالحجارة أو أقسى، مع أن قسا يقسو مستكمل لشروط صوغ اسم التفضيل، لأن بعض أشد أدل على فرط القسوة من لفظ أقسى، ولأنه يدل على شدة قسوة قلوبهم على شدة قسوة الحجارة، فإن المفضل والمفضل عليه مشتركان فى أصل ما فيه التفضيل، وذكر بعض أنه لم يكمل شروط اسم التفضيل لأنه من الأمور الخلقية والعيوب، وقرئ قيساوة أو على أصلها من الدلالة على النسبة لأحد الشيئين أو الأشياء، فهى للشك باعتبار المخلوق، يعنى أن من عرف حال قلوبهم تردد بين أن يشبهها بالحجارة أو بما هو أشد منها، واختار أبو حيان أنها للتنويع، أى منها ما هو كالحجارة ومنها ما هو أشد، ومن أجاز وقوع أو التخييرية أو الإباحية بعد غير الأمر والنهى أجاز أن تكون هنا للتخيير أى الناس مخيرون بين أن يشبهوا قلوبكم يا بنى إسرائيل بالحجارة أو بما هو أشد أو للإباحة أى أبيح للناس أن يشبهوها بالحجارة أو بما هو أشد لصدق من يشبهها بالحجارة، ولصدق من يشبهها بالحديد، لأن فيها شدة الحجارة وشدة ما هو أقوى منها، ويجوز أن يكون للإضراب كبل، وعليه اقتصر الشيخ هود رحمه الله.

قال ابن هشام أو بمعنى بل، عند الفراء أى بل أشد. وقال بعض البصريين للإبهام، وقيل للتخيير، أى إذا رأهم الرائى تحير بين أن يقول كالحجارة أو أشد، نقله ابن الشجرى عن سيبويه، وفى ثبوته عنه نظر إذ لا يصح التخيير بين شيئين، الواقع فى نفس الأمر أحدهما لا غير انتهى. قلت يصح لأن معنى التخيير أنه مخير باعتبار قصور نظره، ويقدر فى قوله كما يخير فى أمور شرعية، ويعذر ولو لم يوافق الحق عند الله وكما يخير فى شيئين، وقد قضى الله فى الأزل بأحدهما، قال وقيل هى للشك مصروفا إلى الرأى، ذكره ابن جنى، ولا يجوز أن تكون بمعنى الواو انتهى. قلت يجوز أن تكون بمعنى الواو فإن فى الحديد مثلا قوة الحجارة وزيادة، فما أشبه الحديد قد أشبه الحجارة أيضا، ففى قلوبهم قسوة الحجارة، والقوة التى زيدت فى الحديد مثلا، روى البزاز عن النبى صلى الله عليه وسلم

" أربعة من الشقاء جمود العين، وقساوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا "

قال الغزالى فى المنهاج أول الذنب قسوة وآخره والعياذ بالله شؤم وشقوة، وسواد القلب يكون من الذنوب، وعلامة سواد القلب ألا تجد للذنوب مفرعا، وللطاعة موقعا، وللموعظة منجعا. { وإن من الحجارة لما يتفجر } نتفتح بسعة وكثرة وقرئ هنا وفى الذين بعد هذا، وإن بإسكان النون، فتكون أن مخففة، واللام فى قوله لما فارقه بين النفى والإثبات. وقرأ مالك بن دينار ينفجر بالنون الساكنة. رحمه الله. { منه الأنهار } والمراد كل حجر من الحجارة التى انفجر منها عين كبيرة. وقيل أراد الحجر الذى يضرب عليه موسى، والاثنى عشر عينا التى تتفجر منه . { وإن منها لما يشقق } ينخرق طولا وعرضا. { فيخرج منه الماء } فيكون عينا صغيرة، والأصل يتشقق أبدلت التاء شينا، وأدغمت الشين فى الشين، وقرأ الأعمش يتشقق على الأصل. { وإن منها لما يهبط } وقرئ بضم الباء الموحدة، أى ينزل من علو لأسفله، وقيل هبوط الحجر بفئ ظله. { من خشية الله } يخلق الله جل وعلا فيه تمييزا فيخاف الله خوفا مقرونا بتعظيم، فينزل لتلك الخشية، فمن للتعليل، ويجوز أن تكون الخشية مجازا عن الانقياد لما أراد الله سبحانه به، ثم رأيت الوجه والحمد لله، ذكره النسفى مستدلا له بقوله عز وجل

نامعلوم صفحہ