قال خفاف بن ندبة
لعمرى لقد أعطيت ضيعك فارضا تساق إليه ما تقوم على رجل
والبكر الشابة من البقر التى لم تلد من الصغر، ومادة البكر للأول كما يقال لأول النهار البكرة، وكما يقال للثمرة الجديدة أول أوانها باكورة، كثمرة وحبة عنب وتين. { عوان } أى نصف بفتح النون والصاد لا هرمة ولا صغيرة، قال الطرماح
طوال مشل أعناق الهوادى نواعم بين أبكار وعون
والمشل بفتح الميم والشين وتشديد اللام ما يستر الثوب من العنق، من شللته فى الثوب أرخيته عليه، وإضافة الأعناق للهوادى بيانية، فإن الهوادى الأعناق، ويجوز أن يريد بالهوادى ما يلى الرأس من العنق، والناعمة اللينة وهو خبر لمحذوف، أى هى عوان، والجملة نعت لبقرة أو نعت عوان، وعلى هذا فلا عاطفة على بقرة، وفيه تقديم العطف على النعت وهو غير الأكثر والتقدير بقرة عوان لا فارض ولا بكر، كقولك هذا رجل قائم لا قاعد ولا متكئ. { بين ذلك } المذكور من الفارض والبكر ولوقوع الإشارة إلى شيئين صحت إضافة بين إليها كقول امرئ القيس
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
أى بين أماكن الدخول، لما اشتمل الدخول على أماكن صحت إضافة بين إليها، واستغنى عن حومل وقول الشاعر
وكلا ذلك وجه قبل
لما أشار لشيئين صحت إضافة كلا إليه، والذى يتبادر من عود الضمير إلى البقرة فى قوله { قال إنه يقول إنها } والوصف بأنها { لا فارض ولا بكر } بل { عوان } يدل على أنها معينة، والأمر كذلك عند الله قطعا، وهى بقرة معلومة عنده فى الأزل لا تختل ولا يقع غيرها موقعها، ومن قال إنها عند الله غير معينة فقد جهل، ووصف الله بجهلها حتى وقعت، وذلك كفر وإنما خاطبهم بها مبهمة لأنه قد علم أنهم سيطلبون بيانها، وإنما عوتبوا مع ذلك على طلب البيان، لأن طلبهم البيان إنما جاء من قسوة قلوبهم وغلظهم وتباطئهم فى الامتثال لا من حيث إنها معينة لا يكفى غيرها لأنهم لا يعلمون أنها معينة حين قال { إن اله يأمركم أن تذبحوا بقرة } وتأخير البيان عن وقت الخطاب جائز بدليل هذه الآية إذا لم يترتب فساد على تأخيره وعلم أنه لا يصدر الامتثال من المخاطب قبل البيان، أو علم أنه يصدر على مقتضى البيان الذى سيبين، أو لم يصف الوقت والحاجة، هذا ما عندى، ومنع بعضهم تأخير البيان عن وقت الخطاب، وزعم بعض قومنا أن المراد بقرة غير مخصوصة عند الله تعالى ثم انقلب مخصوصة بسؤالهم، وقائل هذا وصف الله تعالى عن كل نقص بالجل وتبديل القضاء، وذلك كفروا ما يترتب على زعمه من النسخ قبل الفعل فغير ضائر إذ لا مانع عند التحقيق من النسخ قبل الفعل، والمنسوخ على زعمه كونهم مخبرين فى البقر أيما بقرة ذبحوا، فقد امتثلوا والناسخ ما دل على تعيين البقرة فى هذه الآيات، وإذا حققت أن الله سبحانه يعلم الأشياء قبل وقوعها ولا أول لعلمه، وآمنت بالقضاء والقدر، وحققت أنه عليم بكل شئ كما أخبرنا عن نفسه، سهل عليك حمل ظاهر اللفظ على أنها عنده معينة، وإنما خاطبهم بها مبهمة لعلمه أنهم سيطلبون بيانها ولم تفتر بظاهر اللفظ.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم
نامعلوم صفحہ