وإذ أخذ الله ميثاق الذين أتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه
أى لتبينن ما فيه من أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - وغيره، وسماه ميثاقا كما سماه عهدا، فان أصل العهد حفظ الشىء بالمراعاة، والتوثيق على الشىء المحافظة عليه ومراعاته. وقيل المراد بالعهد قوله تعالى
وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة
يعنى شريعة التوراة. وقيل قوله عز وجل
وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله
وياء نعمتى مفتوحة، وياء عهدى ساكنة. وقرأ بعضهم بإسكان ياء نعمتى أيضا وإسقاطها درجا. وهو مذهب من لا يحرك الياء المكسور ما قبلها. قال أبو عمرو الأندلسى الدانى اعلم أن جملة الياءات الإضافيات، المختلف فيهن بالفتح والإسكان، مائتا ياء وأربع عشرة ياء، منهن عند الهمزة المفتوحة تسع وتسعون، وعند المكسورة اثنتان وخمسون، وعند المضمومة عشر. وعند ألف الوصل التى معها اللام ست عشرة. وعند التى لا لام معها سبع، وعند باقى حروف المعجم ثلاثون. فصل اعلم أن كل ياء بعدها همزة مفتوحة، نحو قوله إنى أعلم، وإنى أخاف، وشبهه. فالحرميان وأبو عمرو يفتحونها حيث وقعت، والحرميان ونافع وابن كثير، وتفرد ابن كثير من هذا الفصل، بفتح ثلاث آيات منها فى البقرة { فاذكرونى أذكركم } وفى غافر { ذرونى أقتل موسى } وفيها { ادعونى أستجب لكم } ونقض أصله فى روايته بعد ذلك فى عشرة مواضع، فسكن الياء فى آل عمران ومريم { اجعل لى آية } وفى هود { ضيفى أليس } وفى يوسف { إنى أرانى أعصر } فى موضعين أعنى الياء من إنى دون أرانى، و { حتى يأذن لى أبى } أعنى الياء من لى و { سبيلى أدعو } فى الكهف { من دونى أولياء } وفى طه { ويسر لى أمرى } وفى النمل { ليبلونى ءأشكر } وزاد قنبل عنه سبعة مواضع، فسكن الياء فيها فى هود والأحقاف { ولكنى أراكم } و { فيها فطرنى أفلا } و { إنى أراكم } وفى النمل والأحقاف { أوزعنى أن } وفى الزخرف { من تحتى أفلا } وروى أبو ربيعة عن قنبل والبرى فى القصص عندى أولم بالإسكان وتفرد نافع، بفتح يائين، فى يوسف { هذه سبيلى أدعوا } وفى النمل { ليبلونى ءأشكر }.
وروى ورش عنه { أوزعنى } فى السورتين ، بالفتح، وروى قالون عنه الحرفين فى الإسكان ونقض أبو عمرو وأصله فى تسعة مواضع، فسكن الياء فيها فى هود { فطرنى أفلا } وفى يوسف { ليحزننى أن } و { سبيلى أدعو } وفى طه { لم حشرتنى أعمى } وفى النمل { أوزعنى } و { ليبلونى ءأشكر } وفى الزمر { تأمرونى أعبد } وفى الأحقاف { أوزعنى أن } و { أوتعداننى أن } ، وفتح ابن عامر فى روايته ثمانى ياءات منها، { لعلى } حيث وقعت، وفى التوبة { معنى أبدا } وفى الملك { ومن معى وارحمنا } لا غير. وزاد ابن ذكوان عنه فى هود { أرهطى أعز } ، وزاد هشام فى غافر { مالى أدعوكم } وفتح حفص من ذلك ياءين فى التوبة والملك { معى لا غير } ، والباقون يسكنون الياء فى جميع القرآن. فصل وكل ياء بعدها همزة مكسورة نحو قوله تعالى { منى إلا } ، و { منى إنك } ، و { يدى إليك } ، و { ربى إلى صراط } ، وشبهه. فنافع وابن عمرو بن العلاء يفتحانها فى جميع القرآن، وتفرد نافع دونهم بفتح ثمانية مواضع، فى آل عمران والصف { من أنصارى إلى الله } ، وفى الحجر { بناتى إن كنتم } ، وفى الكهف والقصص والصافات { ستجدنى إن شاء الله }. وفى الشعراء { بعبادى إنكم } ، وفى ص { لعنتى إلى يوم } وزاد ورش عنه فى يوسف { وبين إخوتى إن }. وفتح ابن كثير يائين فى يوسف { آبائى إبراهيم } ، وفى نوح { دعائى إلا فرارا }. وفتح ابن عامر خمس عشرة ياء أخرى إلا حيث وقع فى المائدة { وأمى إلهين } ، وفى هود { وما توفيقى إلا بالله } ، وفى يوسف { وحزنى إلى الله } ، و { آبائى إبراهيم } ، وفى المجادلة { ورسلى } ، وفى نوح { دعائى إلا فرارا }. وفتح حفص ياء أخرى إلا حيث وقعت وفى المائدة { يدى إليك } ، و { وأمى إلهين } لا غير والباقون يسكنونها فى جميع القرآن. فصل وكل ياء بعدها همزة مضمومة نحو قوله عز وجل { وإنى أعيذها بك } ، { وإنى أريد } ، { وإنى أمرت.. } وشبهه. فنافع يفتحها حيث وقعت، والباقون يسكنونها. فصل وكل ياء بعدها ألف ولام نحو قوله عز وجل { ربى الذى } ، و { آتانى الكتاب } و { عبادى الصالحين.. } وشبهه. فحمزة يسكنها حيث وقعت، وتابعه الكسائى على الإسكان فى ثلاثة مواضع فى إبراهيم { قل لعبادى الذين } ، وفى العنكبوت والزمر { يا عبادى الذين } فقط، وتابعه ابن عامر فى موضعين فى الأعراف { عن آياتى الذين } ، وفى إبراهيم { قل لعبادى الذين } ، وتابعه أبو عمرو فى موضعين أيضا فى العنكبوت وفى الزمر { يا عبادى الذين } فيها لا غير، وتابعه حفص على قوله فى البقرة { عهدى الظالمين } لا غير.
وفتح الباقون حيث وقعت، وتفرد أبو شعيب، بفتح الياء، وإثباتها فى الوقف ساكنة فى قوله فى الزمر { فبشر عبادى الذين } وحذفها الباقون فى الحالين. ويأتى الاختلاف فى قوله { فما آتانى الله } فى موضعه - إن شاء الله - وكلهم فتح الياء فى ثلاثة أصول مطردة، وتسعة أحرف متفرقة فالأصول قوله { نعمتى التى أنعمت } و { وحسبى الله } { وشركائى الذين } حيث وقعت، والحروف أولها فى آل عمران وقد { بلغنى الكبر } ، وفى الأعراف { بى الأعداء } و { ما مسنى السوء } و { إن وليى الله } وفى الحجر { مسنى الكبر } وفى سبأ { أرونى الذين } وفى المؤمنون { ربى الله } ، و { قد جاءنى البينات } وفى التحريم { نبأنى العليم الخبير }. فصل وكل ياء بعدها ألف مفردة نحو قوله { إنى اصطفيتك } و { أخى أشدد } وشبهه، فسكن نافع من ذلك ثلاثا { إنى اصطفيتك } و { أخى أشدد } و { يا ليتنى اتخذت } لا غير، وسكن ابن كثير فى روايته { يا ليتنى اتخذت } لا غير. وفى رواية قنبل { إن قومى اتخذوا } لا غير. وفتح أبو عمرو الياء حيث وقعت، وفتح أبو بكر { من بعدى اسمه أحمد } فقط وسكن الباقون الياء حيث وقعت. فصل وأما مجئ الياء عندى باقى حروف المعجم نحو قوله عز وجل { بيتى } و { وجهى } و { مماتى } و { ما لى } و { لى }.. وشبهه. فنافع فى رواية يفتح من ذلك سبعا { بيتى } فى البقرة والحج، و { وجهى } فى آل عمران والأنعام وفيها { ومماتى لله } و { ما لى } فى يس و { لى دين }. وزاد ورش عنه ففتح أربع فى البقرة { وليؤمنوا } وفى طه { ولى فيها } وفى الشعراء { ومن معى } وفى الدخان { لى فاعتزلون } لا غير. وفتح ابن كثير خمسا { ومحياى } فى الأنعام و { من ورائى } فى مريم، و { ما لى } فى النمل ويس. و { أين شركائى } فى فصلت. وزاد البرى بخلاف عن { ولى دين } فى الكافرون. وفتح أبو عمرو ياءين { محياى } فى الأنعام، و { مال لى } فى يس لا غير. وفتح ابن عامر فى روايته { سنا وجهى } فى الموضعين، وفى الأنعام { صراطى } و { محياى } ، وفى العنكبوت { أن أرضى } و { ما لى } فى يس. وزاد هشام { بيتى } حيث وقع فى النمل و { لى دين } فى الكافرون لا غير وفتح حفص ياء { بيتى } و { وجهى } و { معى } فى جميع القرآن و { محياى } فى الأنعام، و { لى } فى إبراهيم وطه والنمل ويس، وفى مكانين فى ص والكافرون لا غير. وفتح أبو بكر والكسائى ثلاثا { ومحياى } فى الأنعام و { لى } فى النمل ويس لا غير. وفتح حمزة { ومحياى } فى الأنعام وحدها. ولم يفتح من جملة الياءات المختلف فيهن غيرها. وبالله التوفيق. وقرئ { أوف } بفتح الواو وتشديد الفاء للمبالغة. { وإياى فارهبون } إياى مفعول لمحذوف على الاشتغال، يفسره ارهبون. والفاء صلة للتأكيد، وليس هذا كادعاء الاشتغال فى قولك زيد أكرم، بتقدير الهاء، إذ لا دليل على حذفها، بخلاف الياء فى ارهبونى، فإن نون الوقاية دليلها، وكأنها بقية منها، وهى متولدة من كسرة نون الوقاية، وجملة المختلف فيه من الياءات المحذوفة إحدى وستون ياء، أثبت ورش عن نافع منهن فى الوصل دون الوقف سبعا وأربعين، وأثبت منهن فى رواية قالون عشرين، واختلف عن قالون فى اثنين التلاقى والتنادى، فى غافر.
وأثبت ابن كثير فى روايتيه فى الوصول والوقف إحدى وعشرين، واختلف عن قنبل والبزى عنه فى ست، فى إبراهيم { وتقبل دعائى } و { يدعو الداعى } فى القمر والبلد، و { أكرمنى } و { أهاننى } فى الفجر. فأثبت البزى عنه الخمس فى الحالين، وأثبت قنبل بخلاف عنه فى الوادى، فى الوصل فقط، وحذف الأربع فى الحالين. وأثبت قنبل { إنه من يتق } فى يوسف فى الحالين، وحذفها البزى فيهما، وأثبت أبو عمرو من ذلك فى الوصل خاصة أربعا ثلاثين وخير فى { أكرمنى } و { أهاننى } والمأخوذ له به فيهما بالحذف لأنهما رأسا آيتين، وأثبت الكسائى من ذلك فى الوصل ياءين { يوم يأتى } فى هود، { ما كنا نبغى } فى الكهف لا غير. وأثبت حمزة الياء فى الوصل خاصة فى قوله { وتقبل دعائى } فى إبراهيم، وأثبتها فى الحالين فى قوله تعالى فى النمل { أتمدوننى } لا غير، وحذفهن كلهن عاصم فى الحالين. واختلف عنه فى اليائين إحداهما فى النمل { فما آتانى الله } ، فتحها حفص فى الوصل وأثبتها فى الوقف ساكنة وحذفها أبو بكر فى الحالين. والثانية فى الزخرف { يا عبادى لا خوف } ، فتحها أبو بكر فى الوصل، وأثبتها ساكنة فى الوقف وحذفها حفص فى الحالين وأثبت ابن عامر فى رواية هشام الياء فى الحالين فى قوله تعالى فى الأعراف { ثم كيدون } وحذف الياء فى الحالين، وفى رواية ابن ذكوان، بخلاف عن الأخفش عنه فى قوله فى الكهف { فلا تساءلنى } لا غير. ويأتى - إن شاء الله - تفريش الياءات واحدة فى محلها وأشهر الروايات عن نافع رواية ورش وقالون وعن ابن كثير، رواية قنبل والبزى عن أصحابهما عنه وعن أبى عمرو رواية أبى عمرو وأبى شعيب عن اليزيدى عنه، وعن ابن عامر رواية ابن ذكوان وهشام، عن أصحابهما عنه، وعن عاصم، رواية أبى أبكر وحفص، وعن حمزة رواية خلف وخلاد عن سليم عنه، وعن الكسائى، رواية حفص والدورى وأبى الحارث. ويطلقون لفظ الحرميين على نافع وابن كثير نسبة إلى حرم مكة لابن كثير، وحرم المدينة لنافع، ولفظ الأخوين على حمزة والكسائى، وبعض الكوفيين عليهما مع عاصم والرهبة لخوف الذى معه تحزن، واضطراب الأمر بها يتضلن تهديدا ووعيدا بالغا، والمعنى خافونى فى ترك الوفاء بعهدى. وفى كل ما تفعلون وما تتركون خوفا عظيما، ولا تخافوا غيرى، وهذا أوكد من قوله تبارك وتعالى { إياك نعبد } لما فيه تكرير الفعل، كما علمت من قولى إنه من الاشتغال، والأصل، إياى ارهبوا فارهبون.
وإنما قدمت إياى على المقدر للحصر وقيل يقدر مؤخرا أى راهبونى فارهبون. فلما حذفت ارهبو انفصل الضمير، وزعم بعض أن إياى توكيد للياء المحذوفة فى ارهبون، مقدم على مؤكده وأما الفاء فقد مر أنه صلة للتأكيد أو هى تأكيد آخر، غير موجود، فى قوله عز وجل { إياك نعبد } وقيل رابطة الجواب أما فهى أيضا تفيد تأكيدا أو ربطا مع تأكيد آخر بإما المقدرة. أى أما إياى فارهبون. وليس أما هذه للتفضيل، وإن جعلت للتفضيل قدر لا ترهبون غيرى، كأنه قيل مهما يكن من شىء، أو إن كنتم راهبين شيئا فارهبون. ويجوز أن تكون عاطفة، فليس ذلك اشتغال، أى ارهبونى فارهبون. أو إياى ارهبوا فارهبون. وذلك من عطف التوكيد اللفظى بالفاء كقوله { أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى } ويجوز أن يكون غير توكيد اصطلاحى، بل المعنى ارهبون مرة بعد مرة، فاللفظ رهبتان، والمعنى أكثر، قال صلى الله عليه وسلم
نامعلوم صفحہ