باب
الكبر والشَّيْب
قال أبو المِسْور الباهلي:
إذا ما الفَتَى بَلَغ الأربعينَ ... وجاوزَهَا عَدُّ حسابِهِ
ولم ينهَهُ الشَّيْبُ عن جهلِهِ ... وقد شابَ أكثرُ أترابِهِ
فلا تَرْجُ أنْ يرعَوِي بعدَها ... ولكنْ سيَجرِي على دابِهِ
كفَى بالمشيبِ له واعِظًا ... دليلًا على ما سيُمنَى بِهِ
وقال حاتم طيء:
عَرِيتُ عن الشَّبابِ وكنتُ غَضًّا ... كما يعرَى عن الورَقِ القضيبُ
ونُحْتُ على الشَّبابِ بدمعِ عيني ... فما نفَعَ البكاءُ ولا النَّحيبُ
ألا ليتَ الشَّبابَ يعودُ يومًا ... فأُخبِرَهُ بما فعَلَ المشيبُ
وقال عَتَّاب بن وَرقاء:
يا ذا الَّذي شابَ وما تابَ انْزجِرْ ... وارْدَعْ فُؤادًا قد أصرَّ وعتَا
حتَّى مَتَى لا تَرْعَوِي حتَّى مَتَى ... حسبُكَ بالشَّيْبِ نَذيرًا وكَفَى
والشَّيْبُ والشّبَّانُ للموتِ ولا ... حيلةَ للموتِ إذا الموتُ أتَى
وقال بعض المعمرين:
الموتُ خيرٌ للفَتَى ... فليهلكَنْ وبِهِ بَقيَّهْ
من أنْ يُرَى الشَّيخَ البَجَا ... لَ وقد تهادَى بالعشيَّهْ
وَلَكُلّ ما نالَ الفَتَى ... قدْ نلتُهُ إلاَّ التَّحيَّهْ
وقال آخر:
إذا مَا المرءُ جرَّبَ ثمَّ مرَّتْ ... عليهِ الأربعونَ مع الرِّجالِ
فلمْ يلحقْ بصالِحهم فَدُعْه ... فليسَ بمفلحٍ أُخرى اللَّيالِي
وقال محمود الوَرَّاق:
لمَّا طوتْكَ الأربعونَ ... وآنَ للعُمْرِ انْقِراضُ
جادَ السَّواد بنفسه ... وبَدَا بعارضك البياضُ
ومَتَى أطفت بلذَّة ... فلعارض فيها اعتراضُ
أنشدني أبو نصر الوزير:
إذا بلَغَ السَّبعينَ عمرُكَ لم يكنْ ... لدائِك إلاَّ أنْ تَموتَ طبيبُ
وإنَّ امرءًا قد سارَ سبعينَ حجَّةً ... إلى منهلٍ من وردِهِ لَقريبُ
وقال منصور الفقيه ﵀:
قبيحٌ بمَنْ جَاوزَ الأربعينَ ... وشابَتْ ذَوائبهُ أنْ يَقولا
ألا شمسُ دَجْنٍ تجيدُ الغناءَ ... وبَدرٌ يُديرُ علينا الشَّمُولا
وقال ابن المعتزّ:
أَفِقْ عنكَ حانَتْ كبرةٌ ومَشيبُ ... أما للتُّقَى والحقِّ فيكَ نَصيبُ
وما الدَّهرُ إلاَّ مِثلُ يومٍ وليلةٍ ... وما الموتُ إلاَّ نازلٌ وقَريبُ
أيَا مَنْ لهُ في باطِنِ الأمرِ مَنزلٌ ... أتفرَحُ بالدُّنيا غريبُ
وقال ابن الرُّومي:
تُعيِّرني شَيبي بِبَيْضاءَ نابتَهْ ... لها لَوْعةٌ في مُضمرِ القلبِ ثابتَهْ
ومن عَجَبٍ أنِّي إذا رُمْتُ نَتْفَهَا ... نَتَفْتُ سِواها وهي تَضحكُ شَامتَهْ
وقال أيضًا:
لم أقلْ للشَّبابِ في كنَفِ الل ... هـ وفي سِتْره غَداةَ تَوَلى
زَائرٌ زارَنَا أقامَ قليلًا ... مَلأَ الصُّحْفَ بالذُّنوبِ وَوَلَّى
وقال أبو بكر القوهي:
الشَّيْبُ سرُّ المَوْتِ يَتْ ... لُوه لأخذِكَ جَهْرُهْ
سَهْمُ المنيَّةِ نافِذٌ ... فيمَنْ تَقَوَّسَ ظَهْرُهْ
وقال آخر:
أهْلًا وسهْلًا بضيفٍ نَزَلْ ... وأَسْتودِعُ اللهَ إلْفًا رَحَلْ
سَقَى اللهُ ذاكَ وهَذا معًا ... فنِعمَ المُولِّي ونعمَ البَدَلْ
فأمَّا المشيبُ فصُبحٌ بَدَا ... وأمَّا الشَّبابُ فَلَيْلٌ أَفَلْ
فولَّى الشَّبابُ كأَنْ لم يكنْ ... وحَلَّ المَشيبُ كأَنْ لمْ يَزَلْ
وقال أبو حنيفة الإمام ﵁:
لمَّا رأيتُ الشَّيْبَ قد نَزَلا ... وبانَ منِّي الشَّبابُ فارْتَحَلا
أحسَسْتُ بالموتِ فانكسرتُ لهُ ... وكلُّ حيٍّ يوافِقُ الأَجَلا
كمْ صاحبٍ لِي كانَ يُؤنسني ... أصبَحَ تحتَ التُّرابِ منجدلا
لا يسمعُ الصَّوتَ إن هتفتَ بِهِ ... ولا يَردُّ الجوابَ إن سُئِلا
لو خلد الله، فاعلموا، رجلًا ... لخلد الأنبياء والرسلا
وقال دويد النهدي، وكان من المعمرين:
اليومَ يُبْنَى لدُوَيْدٍ بيتُه
لو كانَ للدَّهرِ بِلًى أبليتُه
أو كانَ قِرْنِي واحدًا كَفَيْتُه
يا رُبَّ نهبٍ صالحٍ حَويتُه
ورُبَّ خصمٍ صالحٍ أشجيتُه
1 / 1