خطا ثلاثتهم إلى مساحة شاسعة معتمة، عالم قابع في الأعماق، وساروا على امتداد ممشى رئيسي تميزه أسهم وامضة ولافتة تضيء على نحو متقطع بالكلمات التالية: «على الأشخاص غير المصرح لهم السير في الممر المضاء».
مروا بسلسلة من الورش، حجيرات مقسمة محجوبة وراء ستائر احتواء. كان ثمة ضوء ينبعث من أحد الأبواب، فتوقفت التوءمان، وأشارت يوريديس إلى جونزاليس كي ينظر بالداخل.
كانت مئات القدور متراصة على الأرفف الموضوعة على امتداد الحوائط من الأرض إلى السقف. كان كثير منها بسيطا، أوعية كروية تقريبا لها أفواه واسعة، مصنوعة من الفخار الأحمر. وكانت ثمة أوعية أخرى لها الشكل نفسه لكنها كانت مكسوة بطبقة رقيقة ومدهونة وتميزها حزمة واحدة من الألوان تلتف حول منتصفها: ألوان أساسية زاهية على خلفية من معجون شفاف. وكانت ثمة قدور أخرى ذات أشكال وتصميمات معقدة، يصعب تفهمها في نظرة واحدة.
جلست امرأة عجوز منحنية فوق دولاب الخزاف، وكانت تدندن بكلمات يصعب تبينها بينما كانت يداها الكبيرتان تشكلان الطمي الطري الدوار. نظرت لأعلى إلى جونزاليس الواقف لدى الباب. كان وجهها مليئا بتجاعيد غائرة، وبشرتها شاحبة، وكان لديها حاجبان مستقيمان يعلوان عينين سوداوين. كانت ترتدي فستانا أبيض ضاربا إلى الصفرة كان ينسدل حتى الأرضية ومئزرا من مادة مطاطية سوداء. كان شعرها مغطى بوشاح كحلي داكن وكان مشدودا ومربوطا خلف رأسها.
ضحكت العجوز واستدارت مجددا إلى الدولاب، وبدأت في الدندنة مرة أخرى. وتحت يديها بدأ الطمي يرتفع إلى الأعلى ويكتسب شكلا. كانت تشكله من الداخل إلى الخارج، وكأنها خالق يمد يده إلى قلب المادة، إلى أن صار قدرا ذات قاعدة ثخينة تدور على الدولاب.
توقف الدولاب عن الدوران، وبحركات سريعة ودقيقة وضعت القدر المشكلة حديثا على حامل مجاور للدولاب. مدت يدها داخل القدر وشرعت في العمل، لكن جونزاليس لم يستطع أن يرى بدقة ما كانت تفعله؛ إذ كان جسدها يحجب الرؤية. بعد ذلك أخذت حامل طلاء وفرشاة من رف يعلو رأسها وشرعت في تلوين سطح القدر.
وبينما كانت تباشر العمل، كانت تنظر لأعلى من حين لآخر، لكن بدا عليها أنها لم تكن تمانع وجود الأشخاص الثلاثة الواقفين هناك؛ لذا فقد ظلوا واقفين يشاهدونها؛ وكان جونزاليس منبهرا بالقوة والسرعة التي تتسم بها حركتها، ومتلهفا لرؤية ما سيبدو عليه شكل القدر.
وأخيرا أدارت القدر ناحيتهم بحيث أضحوا قادرين على رؤيتها. على جانب القدر كان ثمة وجه، وكان فمه وأنفه عبارة عن نتوءين مطليين على الفخار، وكانت عيناه بيضاوين. كان بدن القدر البصلي الشكل يشوه ملامح الوجه، لكن حين أمعن جونزاليس النظر، رأى ...
كان ذلك وجهه هو، محاكاة ساخرة خبيثة له، وكانت ملامحه ملتوية على نحو ذميم.
ضحكت المرأة، وقد أطربها إجفاله المفاجئ. رفعت القدر ونظرت إلى الوجه، ثم إليه، ثم إلى القدر مجددا، وعاودت الضحك بصوت مرتفع، ثم ضغطت القدر بين يديها الملطختين بالطمي، مرارا وتكرارا، إلى أن صارت كتلة عديمة الملامح من الطمي. ألقت الكتلة عبر الحجرة داخل صندوق معدني كبير كان موضوعا قبالة الحائط البعيد. «أوووووووه.» صدر هذا عن التوءمين، بصوت موحد. «أوووووووه.»
نامعلوم صفحہ