انفتحت المصاريع مصحوبة بصرير معدني قصير، وخطا جونزاليس إلى الداخل. تفحص حارس مصري، يرتدي طاقية بيضاء وعصابة رأس مزركشة باللونين الأبيض والأزرق ويضع شارة الأمم المتحدة الرمادية، هويته ثم منحه ابتسامة سريعة عديمة المعنى - ظهرت خلالها أسنانه البيضاء المثالية من تحت شارب أسود - وأشار إليه بمواصلة المسير.
كانت جمارك عصبة دول جنوب شرق آسيا تنتظر ممثلة في شخص امرأة تايلاندية ضئيلة الحجم ترتدي زيا بنيا وتضع شارة كتبت عليها طلاسم غير مفهومة على عجالة. كانت ملامحها دمثة ومحايدة، وقد أرجعت شعرها الأسود إلى الوراء وثبتته بدبوس شعر بلاستيكي شفاف. وقفت خلف طاولة معدنية رمادية، وعلى الأرضية المجاورة لها كان ثمة ماسح متقدم متعدد الأغراض عرضه متران، وكانت أزرار التحكم الخاصة به وشاشاته وقراءاته كلها مختفية تحت غطاء قماشي أسود اللون. وعلى الجدران الخضراء القذرة كانت ثمة لافتات بعشرات اللغات معلقة على مسافات غير متساوية، توضح بالتفاصيل وبخط دقيق الفئات العديدة للسلع الممنوعة.
أشارت المرأة إليه كي يجلس منتصب القامة على مقعد مواجه للطاولة، ثم أخبرته بأن يضع حقيبة ملابسه والحاويتين على الطاولة.
تحدثت إليه، وعلى الفور تحدث جهاز ترجمة آلي مثبت إلى وسطها بلغة إنجليزية آلية محايدة قائلا: «سيجري فحصكم وإخلاء طرفكم.» ثم وضعت الحقيبة البنية على أول الحزام الخاص بالماسح، وسحب الجهاز الحقيبة مصدرا صافرة خافتة. بعد ذلك أعادت المرأة الحقيبة إلى جونزاليس.
تحدثت إليه ثانية، وقال المترجم الآلي: «ضع هاتين الحاويتين من فضلك.» بينما كانت تشير نحو الحاويتين المقاومتين للصدمات. مرر جونزاليس يده اليسرى على شاشة الولوج الخاصة بكل منهما ثم أدخل كود الدخول بيده اليمنى. انفتحت الحاويتان مصدرتين صوتا خافتا، وفي كل منهما ظهرت شاشة والتمعت أضواء تشخيصية فوق صفوف من وحدات الذاكرة، كل منها عبارة عن مكعب ثقيل من البلاستيك الأسود في حجم صندوق الأمانات الصغير.
رأى جونزاليس المرأة وهي تمسك نسخة من استمارة التصريح بالمعلومات التي ملأها جهاز «الميميكس» في ميانمار وسلم نسختين منها لحكومتي ميانمار وتايلاند. نظرت داخل إحدى الحاويتين وأشارت إلى صف من وحدات الذاكرة المغلقة الموضوع عليها شريط أحمر.
ثم قالت، يتبعها المترجم الآلي: «علينا الاحتفاظ بهذه الوحدات كي نتحقق من أنها لا تحتوي على أي معلومات محظور حيازتها.» «لقد فعلت جمارك ميانمار هذا. إنها سجلات تابعة لشركة سينتراكس.» «ربما تكون كذلك، لكننا لم نتأكد من هذا.» «يمكنني منحك أكواد الدخول لو أردت؛ فليس لدي ما أخفيه، لكن هذه الوحدات مهمة لعملي.»
ابتسمت المرأة وقالت: «ليس لدي المعدات اللازمة هنا. يجب فحصها على يد السلطات في المدينة.» وعكست نبرة المترجم الآلي عدم اكتراثها.
أحس جونزاليس أنه في مستهل مواجهة تعنت بيروقراطي؛ فقد قررت هذه المرأة، لأسباب غامضة، أن تحيل حياته إلى جحيم، وكلما حاول أن يضغط أكثر، ساءت الأمور أكثر. عليه بالاستسلام إذن. قال: «أفترض أنها ستعود إلي في أسرع وقت ممكن.» «بالتأكيد. بعد فحص دقيق. غير أنه من غير المرجح أن يكتمل الفحص قبل مغادرتك.» ثم أزاحت الحاوية من على الطاولة ووضعتها على الأرض إلى جوارها. كانت تبتسم ثانية، ابتسامة بيروقراطية متشفية. عادت إلى مكانها الأصلي وقد صارت حالة جونزاليس ضربا من الماضي بالنسبة إليها. نظرت إليه ولما وجدته لا يزال واقفا قالت: «هل يمكنني مساعدتك في شيء آخر؟» •••
بدأ عالم الآلة في التبدد، متحولا إلى ضباب، وبينما حدث هذا أضاءت صفوف من الأضواء المنخفضة الطاقة في أنحاء الغرفة، وبدأت أنماط الأضواء تمر بعدد من التغييرات المتسارعة بينما أعيد جونزاليس إلى الوعي. ولمدة ساعة من الزمن، كانت الغرفة مضاءة بالكامل عندما اكتملت سلسلة التزامن، وبدأت البيضة تنشق.
نامعلوم صفحہ