بيزنطة
كان ثمة خيط أبيض واحد من السحب يشق السماء الزرقاء، وكان يمتد نحو الأفق. وقف جونزاليس، وإلى جواره ليزي، بين الضيوف، الذين ارتدوا أكاليل زهور استوائية: الياسمين الهندي والمسك الرومي والجنزبيل. وقد كان الحضور يتألفون من أعضاء جمعية الاتصال.
كان الاثنان هنا منذ أيام، وكذلك كثيرون غيرهم؛ إذ كانت هذه إجازة من نوع ما لهم جميعا. كان من الممكن العثور على أعضاء للجمعية غرباء الأطوار ويكتنفهم الغموض في كل مكان تقريبا، بينما بدا أن التوءمين كانتا دائما على الشرفة أو في الماء، وكانت أصواتهما تتردد عبر البحيرة وهما تطلقان صيحات عالية يتعذر فهمها.
في مساء اليوم الأول هناك، اجتمع الجميع على الشرفة، التي، كما افترض جونزاليس، يمكن أن تمتد افتراضيا من دون حدود كي تستوعب كل من أتى. كان أعضاء الجمعية يتحدثون في إثارة معا، ولا يزال ينتابهم الحماس بفعل خبرتهم المشتركة، وكانوا يشعرون بالدهشة والسعادة لأنهم منحوا هذا العالم الجديد داخل عالمهم. بعد ذلك، أخذ جونزاليس وليزي وديانا يحكون، واحدا تلو الآخر، تفاصيل ما مروا به من أحداث.
كان لكل من تحدثوا، وكل من استمعوا، تفسير؛ نظرية عن هذه الخبرات، ومعانيها، وتبعاتها، وأفكارها الأساسية. وفي وقت متأخر من تلك الليلة تحدثوا، وتجمعوا في مجموعات، وتفرقوا، ثم اجتمعوا مجددا، بينما كانوا يستكشفون طبيعة الرؤى الفردية والجماعية. وفيما بينهم، لم يسهم الشكل المجسد لألف بشيء؛ إذ زعم أنه لم يكن واعيا ومن ثم لم يعلم شيئا عما حدث أو ما كان يعنيه.
ومع انقضاء الأسابيع والشهور والسنوات، تحولت القصص واستجابات المستمعين إلى أساطير عن الجمعية، ثم عن هالو، وانتشرت شفهيا وفق قوانين النقل الشفهي. اكتسبت ديانا وجونزاليس وليزي قدسية معينة بفضل أدوارهم كمشاركين رئيسيين ، ثم اكتسبها كل من شارك في الإنجازات التي بات ينظر إليها على نحو متزايد على أنها أعمال بطولة ملحمية. وأخيرا، كتبت القصص وبهذا اكتسبت شكلا قادرا على مقاومة التقلب، وجرى تصويرها دراميا في وسائل إعلام ذلك العصر، ولعب أشخاص وسيمون وفصحاء أدوار شخصياتها. وفي وقت لاحق، سجلت نسخ متعددة من القصة كتابة وجرى تضمينها في روايات. باتت التوصيفات الشائعة محل ازدراء في هذه النقطة، وصارت الروايات البارعة والمنحرفة قوية؛ فربما يوصف هاي ميكس بالبطل، وكذلك تراينور، بينما توصف ألف بأنها شيطان أصيل يتلاعب بالجميع من أجل مجده الأعظم ...
نظر جونزاليس إلى أعضاء الجمعية الذين كانوا قد اجتمعوا بالقرب منه. كان كثير منهم قد ارتدوا ملابس رسمية؛ إذ كانوا يضعون شعرا مستعارا ذا لون أزرق داكن بارتفاع أربع بوصات، ويرتدون عباءات زرقاء داكنة ذات أحزمة ذهبية تتدلى إلى الأرض. وحدهما التوءمان كانتا ترتديان ملابس مختلفة؛ إذ ارتدتا فستانين أبيضي اللون مستوحيين من الصور الفوتوغرافية لحفلات زفاف القرن العشرين؛ وأسميا نفسيهما «إشبينتي العروس» وأخذتا تجيئان وتروحان بين الحضور، وتعرضان القيام ب «واجبات العروس» لكل شخص قابلتاه.
وقف توشي مواجها الحضور، بقامة منتصبة وفي سكون، ويداه مختفيتان في طيات ردائه الأسود. وإلى جواره وقف هاي ميكس والشكل المجسد لألف؛ وكانت أضواء جسده الزرقاء والوردية والخضراء والحمراء تتراقص على نحو ساطع. (رأى جونزاليس والآخرون ما يمكن تسميته أشكالا مجسدة من المرتبة الثانية؛ إذ لم يكن توشي، أو تشارلي هيوز أو إريك تشو، يمتلكون مقابس توصيل عصبي تتيح لهم الدخول إلى فضاء ألف التخيلي، ومن ثم كان عليهم أن يشاركوا في حفل الزفاف عبر تقنية وسيطة من نوع ما. ورغم أن جونزاليس والآخرين كانوا يرون توشي وتشارلي وإريك بينهم، فإن الثلاثة - في واقع الأمر - كانوا يقفون أمام شاشة عرض في غرفة اجتماعات جمعية الاتصال.)
رأى جونزاليس أن الجميع يبدون على أفضل نحو، كما لو كانت ألف قد نمقتهم من أجل هذه اللحظات، بحيث ألبستهم كلهم ذواتا أجمل قليلا من المعتاد، أو حتى مما هو ممكن في الطبيعي ... شعر باهتمام الشكل المجسد لألف به - أكان واعيا لهذه الخاطرة؟ - وهز كتفيه كما لو كان يقول: «لا أمانع هذا.»
وقفت ديانا، مولية ظهرها للحضور، وكتفاها العاريتان مستويتان. كان شعرها منسدلا حتى خصرها، وكان معلقا به بعض الزهور، زهور بيضاء صغيرة وأوراق خضراء رقيقة. كانت ترتدي فستانا أبيض من الكتان يصل إلى الركبة. وإلى جوارها وقف جيري مرتديا سترة من الكتان الأبيض وقميصا مفتوحا.
نامعلوم صفحہ