بسم الله الرحمن الرحيم
وبه استعين
الحمدُ للهِ الذي سخّرَ كثيرًا من الحيوان للعباد،
وشرَّفَ الخيلَ بأنْ جعلها أفضلَ معدودٍ للجِهاد، ومَنَّ على أوليائه أُولي البأسِ والنجدةِ بما منحهم به ما ارتباط الصافنات الجياد، وصلّى الله علي سيِّدِنا محمدٍ الذي شرفت به العربُ على سائر الأُممِ سيِّدِ العِبادِ والعُبّاد وعلى آلهِ وصحبِهِ السادةِ الأجواد والحماةِ الأنجاد. وبَعّدُ فلمّا كانتِ العربُ أَشْرَفَ الأُممِ قَدْرًا وأجْمَلَهُم ذكرًا، كانَ من الواجبِ استقراء أخبارِهم واستنباط آثارهم، وقَدْ جاءَ عن بعضِ العلماءِ: مَنْ أَحَبَّ اللهَ سُبْحانَهُ أَحَبَّ محمدًا رسولَهُ، ومَنْ أَحَبَّ رسولَهُ أَحَبَّ العَرَبَ. (١) فلذلك عكفت الألباب الخالصةُ والأذهانُ الصافِية والألمعِيّاتُ المُضِيّة والأفهامُ المُستوفية على استنباط حكمةِ العربِ وإحصاء مناقبِها وإيضاحِ محاسِنِها واستقراءِ خصائِصها، وقصروا الشرفَ لسيِّدنا محمدٍ صلّى اللهُ عليه [٣ أ] على عَدْنانَ جدِّهم الأكْبَر، وخَفَّ قحطانُ في ميزانِهِم وأَحَلُّوهُ بالحضيضِ في اعتبارِهم، ثم اختصُّوا بالشرفِ بعدَ ذلك مُضَرَ دونَ ربيعةَ، وبني هاشم من قريش قاطبةً، قال الشاعرُ: (٢) وكم أًبٍ قد علا بابنٍ ذُرَا شرفٍ كما علا برسولِ اللهِ عدنانُ
_________
(١) ينظر: بلوغ الأرب ١ / ٣.
(٢) جاء في حاشية الأصل: (هو ابن الرومي، وقبله: قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا لعمري ولكن منه شيبان) . والبيت في ديوانه ٢٤٢٤. ولماّ نظرتُ في أَخبارِها ومآثرِها وأشعارِها ومفاخِرِها وجدتُ كثيرًا منهم قد احتفلَ باقتناءِ الخيلِ وارتباطِها، لا تصونُ شيئًا من أموالِها ولا تكرِمهُ، صيانتها وإكرامها لها، لِما كانَ لهم فيها من العزِّ والجَمالِ والمنعةِ والقوةِ على
1 / 19