ہکذا تکلم زرادشت
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
اصناف
جميعكم أيها الحكماء المتمتعون بالشهرة قد خدمتم الشعب وما يؤمن به من خرافات، ولو أنكم خدمتم الحقيقة لما كرمكم أحد، ومن أجل هذا احتمل الشعب شكوككم في بيانكم المنمق؛ لأنها كانت السبيل الملتوي الذي يقودكم إليه، وهكذا يوجد السيد لنفسه عبيدا يلهو بضلالهم الصاخب، وما الإنسان الذي يكرهه الشعب كره الكلاب للذئب إلا صاحب الفكر الحر عدو القيود الذي لا يتعبد، ولا يلذ له إلا ارتياد الغاب.
إن ما حسبه الشعب في كل زمان روحا للعدل إنما هو العدو الكامن المترصد لروح الحرية يستنبح عليها أشد كلابه افتراسا، وقد قيل في كل زمان: «لا حقيقة إلا في الشعب، فويل لمن يطلبها خارجا عنه.»
لقد أردتم أن تؤيدوا الشعب في ما يبدي من خشوع وإجلال، فدعوتم هذه المذلة «إرادة الحق» فيا لكم من حكماء.
غير أنكم كنتم تقولون في أنفسكم، لقد نشأنا من الشعب وصوت الشعب هو صوت الله، فكنتم كالحمار الصبور المراوغ تعرضون وساطتكم على الشعب، ولكم من ذي سلطان أراد أن توافق عجلته ذوق الشعب فقطر لجرها حمارا صغيرا، حكيما مشهورا ...
فيا مشاهير الحكماء، إنني أطلب منكم أن تخلعوا عنكم ما تتلبسون به من جلود الأسود، وجلود الوحوش الكاسرة المخططة وفراء المستكشفين للمجاهل والفاتحين؛ إذ لا يسعني أن أومن بالحقائق التي تنادون بها ما لم تقلعوا عن بذل التبجيل والتعظيم، فما رجل الحق إلا الضارب في القفار ولا إله له؛ لأنه حطم بين جنبيه التبجيل والتعظيم، وإذا هو تلفت ورمال الصحراء تحرق قدميه إلى الواحات حيث يتدفق الماء الزلال، ويمتد وارف الظلال، وترتاح الحياة ملقية عصا الترحال، فلا يقتاده الظمأ إلى الاتجاه نحوها طلبا للاغتباط بين المغتبطين؛ لأنه يعلم أن لكل واحة أصنامها، وما يريد الأسد إلا الانفراد محررا من عبودية الأرباب ومن سعادة المستبدين، بعيدا عن الآلهة والمتعبدين وعن الخوف ومنزليه في القلوب، ذلك ما يصبو رجل الحق إليه، وما عاش رجال الحق إلا في القفار يسودونها بانطلاق تفكيرهم في مجالها الوسيع، وهل في المدن إلا مشاهير الحكماء يتناولون خير الغذاء كذوات الضرع تغذى لتحلب. إنهم يجرون عجلة الشعب وقد كدنوا بها كالحمير.
وما أنا بالناقم عليهم ولكن ليعلموا أنهم خدم مشدودون إلى عجلة، وما يرفع من ذلهم توهج الذهب على العجلة التي يجرونها.
ولطالما أخلص هؤلاء الناس في خدمتهم فاستحقوا الثناء؛ لأن الحكمة تقضي بأن يفتش الخادم عن سيد يستفيد من خدماته.
لقد وجب أن يتسامي عقل سيدك وتعلو فضيلته؛ لأنك بهما تعلو أنت.
والحق أنكم قد علوتم بارتقاء عقل الشعب وفضيلته، أيها الحكماء الخادمون للشعب كما اعتلى هو بكم، وما أعلن هذا لتمجيدكم، فإنكم قد بقيتم أنتم شعبا حتى في فضائلكم، وما تزالون شعبا لا بصيرة له ولا يدرك للعقل معنى.
إنما العقل حياة تمزق الحياة تمزيقا، وما تزداد الحياة معرفة إلا بما تتحمل من آلام، فهل كنتم لهذه الحقيقة عارفين؟
نامعلوم صفحہ