ولاحظ أن من يدخلون المسجد قليلون، ثم ما لبث أن سمع قرقعة وأحس شيئا هوى بالقرب منه وسمع رفرفة أطيار فالتفت فرأى حجرا كبيرا أصاب الكعبة وسقط على الأرض، فعلم أنه من أحجار المنجنيق وقد أجفل حمام الحرم من وقعه فتطاير ثم عاد فوقع على جوانبها وعلى جدران المسجد. ولم ير الناس يهتمون لتلك الحجارة؛ لأنهم ألفوا سقوطها بينهم.
وتذكر أن عبد الله يصلي بجوار الكعبة فاستغرب تعريضه نفسه لحجارة المنجنيق، وخاف أن يكون ذلك الحجر قد أصابه ولا سيما أن وقت صلاته طال، فقلق عليه، ونهض فسار في فناء المسجد يلتمس الكعبة حتى مر بالحطيم وحجر إسماعيل، ودار نحو بئر زمزم فرأى وراء الكعبة من الجهة الأخرى بضعة رجال وقوفا، فأقبل عليهم ليسألهم عن عبد الله، فلما دنا منهم رأى بجانب الكعبة رجلا ساجدا قد استقبل الأرض بوجهه، ورأى على ظهره حمامتين من حمام المسجد كأنهما واقفتان على حائط والرجل لا يتحرك، فخيل له أنه ميت، واستغرب وقوف الناس هناك دون أن يهتموا له. فاقترب من أحدهم وحياه، وسأله ما شأن ذلك الساجد؟ فابتسم الرجل وقال: «ألا تعرف من هو؟! إنه أمير المؤمنين.»
فأدرك حسن أنه عبد الله بن الزبير، وزاد استغرابا وقال: «وما للحمام يقع على ظهره فلا يتحرك.»
قال: «إنك غريب فيما يبدو، فلا تعلم أن مولانا أمير المؤمنين أكثر الناس صلاة وسجودا، وكثيرا ما رأينا الطير على ظهره في أثناء الصلاة تظنه حائطا لسكونه وطول سجوده.»
فقال حسن: «إنه سجود طويل.»
وجاء رجل آخر كان واقفا هناك وقال: «إنكم لا تعلمون من تقوى أمير المؤمنين إلا قليلا. أما أنا فقد صحبته طويلا فرأيته يقضي لياليه على ثلاث: ليلة يقضيها قائما إلى الصباح، وليلة راكعا، وليلة ساجدا. ناهيك بصومه؛ فإنه يصوم الدهر كله إلا ثلاثة أيام يفطرها في كل شهر.»
فدهش حسن وقال في نفسه: «يجدر بمن كان هكذا أن يكتب له النصر.»
وفيما هم وقوف سمعوا صوتا كهزيم الرعد، أدركوا أنه صوب المنجنيق فتنافروا ووقع الحجر على حائط الكعبة وسقط إلى الأرض بجانب ابن الزبير فنفر الحمام عنه وهو لا يزال ساكنا لا يتحرك. فذهل حسن وقال لصاحبه: «ألا تخافون على حياة أمير المؤمنين؟»
قال: «لقد طالما نبهناه إلى ذلك، وكثيرا ما وقع له مثل ما تراه وهو لا يبالي.»
فقال حسن: «أرجو أن يحرسه الله.»
نامعلوم صفحہ